*ميسون أبو بكر
كل الطرق تؤدي إلى غازي القصيبي ونزار قباني وغادة السمان ومحمود درويش وقلة غيرهم، حين نتحدث عن الكتابة في زمن الحب, ولا أعني أن زماننا هذا فقير إليه, لكن الحب الحقيقي ظلم في زمن «الواتس أب» و»الفيس بوك», فقد تبدلت شرايينه من آدمية إلى إلكترونية, وبعدما كانت قصائده تعلق على شغاف القلب, سرعان ما تتلاشى اليوم على صفحات الفضاء الإلكتروني، فتضيع في صخب التقنية.
«حبيبي.. يا حبيبي, كتبت اسمك على صوتي.. كتبته في جدار الوقت, على لون السما الهادي, على الوادي.. على موتي وميلادي»
لعل الكثير منا تقرع هذه الجمل في ذاكرته عبر حضورها في رواية غازي القصيبي «حكاية حب» التي استعارها من كلمات أغنية الراحل العذب طلال مداح, فيدور هذا الحوار الجميل بين بطلة الرواية روضة ورجل النفط يعقوب العريان:
– كيف كتبت اسمي على صوتك؟
– بالقلم السحري ..حتى تكون كل كلمة هي اسمك يا رجل.
– وكيف كتبت اسمي على لون السما الهادي؟
– بالنجوم… لأراك كل ليلة يا رجل.
– وكيف كتبت اسمي على الوادي؟
– بالمطر, لأنهمر عليك كل لحظة.
من الصعب أن يخرج القارئ بسهولة من أسر غازي القصيبي وعالمه الشعري أو النثري, وأنا شخصياً بقيت رهينة هذه الرواية التي كتبها مرتين «حكاية حب» على لسان البطل، و»رجل جاء وذهب» على لسان روضة بطلة ذات الرواية.. شعرت بأنها الكتابة في زمن الحب اللذان يعدان عملة نادرة اليوم إن استبعدناهما من محيط ما يكتب أو يعاش.
كاتبة أخرى لكتاباتها طعم اللذة والوجع في الوقت نفسه, تخترقني دون أن تترك نقطة دم واحدة، حيث غرست خنجر كلماتها, فأهرب بعد كل قصيدة لأكمد قلبي بالثلج.. لا تكتب إلا للحب وعنه وإليه وضده, رغم أنها القاتل والمقتول معاً, لكنها ترفض أن تستسلم لهزيمة الحب, غادة السمان هي التي أعني.. تقول في «ضيف الفرح العابر»:
أحبك.. وأعرف أن عمر الوفاء كعمر قصور الرمال على شاطئ بحر هائج وأعرف
أنك في عمري ضيف الفرح العابر..
لكنني في هذه اللحظة أحبك بكل ما في جسدي من طاقة على الرفض وعلى العطاء
وأعرف أن حكايتنا المسحورة لا بد وأن تذوي في فجر الحزن وأن فرحة سندريلا
التي تملؤني سوف تتلاشى كحذاء مني لكني هذه اللحظة أقف عارية من خيبات
الماضي وفواتير المستقبل وأحبك مجاناً وأعرف أن رحيلك قريب.. وأحبك كما لو
أنك باق أبداً سأذهب بك عزيزي القارئ إلى قصيدة أخرى لا يريد لها شاعرها
أن تنتهي, يقول محمود درويش:
يا حبّ.. ما أنت؟ كم أنتَ أنت ولا أنتَ
يا حبّ هُبَّ علينا عواصف رعدية كي نصير إلى ما تحبّ لنا من حلول
السماويّ في الجسديّ فأنت وإن كنت تظهرُ أو تتبطّنُ لا شكل لك..
من سوء حظي أني نجوتُ مراراً من الموتِ حباً ومن حسن حظي أني ما زلتُ هشًّا
لأدخل في التجربة يقولُ المحبُّ المجرّبُ في سرّه: هو الحبُّ كذبتنا
الصادقة فتسمعه العاشقة وتقولُ: هو الحبّ يأتي ويذهبُ كالبرق والصاعقة.
حكايا حب كتبها أصحابها على جدار القلب، نثروها كما رماد النجوم، فاصطلوا بها كما فراشة عشقت النور وهوت احتراقاً به، هي الكتابة في زمن الحب مغامرة صعبة كما الحب في زمن الكتابة، ولا نملك سوى أن نحتفي بحكايا الحب الهاربة من جمرة القلب.
________
*الجزيرة