*بسمة النسور
نظراً لوعورة العناوين التي تم التطرق إليها، في تلك الجلسة المثيرة، يمكن اعتبار الحوار شاقاً، على الرغم من حميميته. في أثناء لقاءٍ ضمني ووفد من طلبة جامعة نورث كارولينا ضمن برنامج تبادل ثقافي، بتنظيم من مركز دراسات المرأة في الجامعة الأردنية، قبل عامين.
لم تبتعد تساؤلاتهم وطروحاتهم عن سياق السخط الكوني جرّاء سياسات إمبراطوريتهم الذاهبة بعيداً في الظلم والعدوان. عبّر أولئك الطلبة بوعي كبير عن خجلهم الشخصي، وعن إحساسهم بالغضب والمهانة إزاء حقيقة تعرّض علم بلادهم بشكل دائم للحرق والدوس بالأقدام الغاضبة في أصقاع المعمورة، لكنهم تذمروا، في الوقت نفسه، من حالة العداء وعدم الفهم التي يواجهون بها كأفراد دونما ذنب اقترفوه، ما يجعلهم يشعرون بشيء من الظلم، نتيجة صورة الأميركي النمطية المكرّسة في العالم برمته، وهي صورة ليست مشرقة في جميع الأحوال.
كان لا بد من الإشارة إلى أن العرب هم أبرز ضحايا التنميط في العقلية الغربية الجمعية، عبر عقود، خصوصاً في هوليوود التي أخذت على عاتقها شيطنة صورة العربي، أينما ورد، بحيث أعرب ضيوفنا الطلبة الأميركان عن دهشتهم لمدى اختلاف صورة العربي النبيلة الجميلة الحقيقية التي لمسوها عن قرب، في رحلتهم عن الصورة النمطية الجاهزة، المرسومة بخبث في ماكينة الإعلام الغربية.
وقد قامت تلك الماكينة الجهنمية بكل طاقتها على إحداث أقصى صور التشويه لكل ملامح ثقافتنا. بالطبع، كان المتفق عليه في تلك الجلسة المهمة أن زلزال “11 سبتمبر” مجرد ذريعة إضافية لارتكاب مزيد من التضليل في هذا السياق، والعمل على تقديم الشخصية العربية بأبشع صورة ممكنة، بغرض إضفاء المشروعية على كل أشكال التنكيل بالعرب، حيثما وجدوا، شاهرين سيف الاحتياطات الأمنية الضرورية، وذلك انطلاقاً من فكرة أن العربي مبعث شبهة وريبة في جميع الأحوال والمقامات.
والحق إن وسائل الإعلام تلك ساهمت حثيثاً في تقديمنا إلى العالم الحر، بصفتنا أوغاداً متوحشين، تجوز علينا المجازر التأديبية بين حين وآخر، لغايات تهذيبنا وتأهيلنا للحاق بركب المدنية والحضارة.
كان الطلبة في حالة فضول قصوى، يودون أن يتعلموا أكثر عن حقيقتنا، نساءً عربيات من لحم ودم وتعب. أراد أولئك الطلبة التعرف أكثر على جوهر المرأة العربية، بمعزل عن ظلال ألف ليلة وليلة، حيث النساء المتواريات بانتظار العربي الشهواني الشره ذي الشارب المفتول والكرش المتدلي.
بعد عدة لقاءات مع شخصيات أردنية، منها نساء حققن تميزاً في مجالات عدة، وصل الوفد الزائر إلى نتيجة مفادها بأن الصورة النمطية المكرسة كونياً للعرب، فادحة التضليل، ومشبوهة إلى أبعد حد، بل ثمة ريب كبير يكتنف صانعيها. توصلنا، في نهاية الحوار، إلى أن الفروق بيننا كأفراد نقطن سطح هذه البسيطة متناهية الصغر، وأن ثمة مشتركات إنسانية كبرى بين الإفراد من الأعراق والمعتقدات كافة، في سعيهم نحو شروط حياة أكثر انسجاماً مع حاجة الإنسانية إلى تحقيق مفاهيم العدالة والحرية والمساواة.
من هنا، ألمّت نكبة باريس المفجعة التي اغتالت بدون رأفة كل تلك الأرواح البريئة بنا، عرباً ومسلمين، وسوف نكون أول ضحايا تبعاتها بدون أدنى شك، وهي تؤكد الحاجة إلى لقاءات كهذه بين الأضداد من أبناء الثقافات المختلفة لكي يتيقنوا أنهم ليسوا أضدادا بالمطلق، وأن ما يجمعهم أكثر بكثير مما قد يفرق بينهم، وأن غريزة حب الخير والتمسك بقيم الجمال طبيعة ثانية للبشر من كل الأعراق والثقافات، ولأن الأصل أن رسالة البشرية في هذه الدنيا ينبغي أن يجمعها الاصطفاف معاً، شعوباً وأفرادأ، في مواجهة قوى الطغيان والظلم، أينما وردت، إعلاءً لقيمة الحياة، متفقين، في نهاية الأمر، أن عبورنا فيها لا ينبغي أن يكون عابراً بالمطلق. ولنكن واثقين رأفة بالأجيال المقبلة من حتمية انتصار الحب والسلام، على الرغم من أنف كل هذا السواد.
________
*العربي الجديد