يقدم المخرج الكندي الأفغاني الأصل يوسف باراكي في فيلم “مينا تسير” نموذجا لفتاة أفغانية عمرها 12 عاما تأبى أن تكسرها الحياة.
وعلى مدى 110 دقائق، يقدم الفيلم -الذي عرض مساء أمس الاثنين في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي- تجربة ثرية تبدو عصية على التلخيص في فيلم روائي، لكنها كافية للتعبير عن حياة آلاف الأطفال -وخاصة الفتيات- في بلد يعاني الحرب منذ عقود طويلة.
تعيش الفتاة “مينا” -التي تؤدي دورها الممثلة فرزانا نوابي- مع والدها وجدها المريض بعد أن توفيت والدتها إبان حكم حركة طالبان لأفغانستان، وتتحول مع الوقت إلى ربة المنزل والمعيلة للأسرة في ظل إدمان والدها على المخدرات وجلوسه دون عمل.
ورغم اضطرارها للخروج يوميا إلى السوق لكسب ما يكفي دواء جدها وإطعام الثلاثة، فإن “مينا” تصر على الذهاب إلى المدرسة والتعلم لأنها تؤمن بأن “التعلم طريقك لمعرفة نفسك ومن ثم طريقك لمعرفة الله”، بحسب ما جاء على لسان معلمتها في الفيلم.
كابوس
يتوفى الجد وتبحث “مينا” عن أبيها حتى تجده في أحد أوكار المخدرات وهو في حالة انتشاء، وتحاول عبثا إفاقته لدفن أبيه لكن دون جدوى، وتتحمل هي عبء الجنازة بمساعدة الجيران وأصدقائها ممن يبيعون بضاعتهم في الشارع.
يزيد من معاناة “مينا” شخص اسمه بشير، وهو مثل الأخطبوط يمد أطفال الشوارع بالبضائع التي يبيعونها في الأسواق ويقتسم معهم الربح، كما يتاجر بالمخدرات ويبيعها لوالد “مينا” الذي يدفع له من الأموال الشحيحة التي تكسبها الفتاة.
تبحث “مينا” عن مخرج تخلص به والدها من سيطرة بشير، فلا تجد سوى الذهاب إلى الشرطة والإبلاغ عنه بوصفه “انتحاريا”. وبالفعل يُقتل بشير على يد رجال الأمن، لكن ما كانت الفتاة الصغيرة تظنه حلا لمشكلاتها تحوّل إلى كابوس أكبر.
يعلم سكان المنطقة والبائعون في السوق أن “مينا” هي من أبلغت عن بشير، فينبذونها ويرفض الجميع التعامل معها لأنها في نظرهم “واشية”، وتوصد في وجهها جميع أبواب الرزق.
وبعد أن يدرك الأب تماما أن “الدجاجة التي تبيض ذهبا” لن تأتي بمزيد من الأموال، وبعد وفاة الجد الذي كانت ترعاه، لا يجد حرجا في بيعها لعريس مسن قد يتجاوزه في العمر حتى يقبض مهرها وينفقه على المخدرات.
ممثلون مسرحيون
لم تجد “مينا” ملاذا سوى الهرب من هذه الزيجة وترك البيت، لكن المصير الذي ينتظرها ليس أفضل مما هربت منه، فهي الآن في طريقها للتحول إلى شحاذة في طرقات العاصمة كابل.
وقال مخرج الفيلم أثناء ندوة عقب عرضه في المهرجان أمس الاثنين إن “جميع المشاركين في الفيلم من الهواة وممثلي المسرح في أفغانستان، وليس بينهم أي محترف بمن فيهم البطلة”.
وأضاف “من أجل التصوير في كابل كان علينا إخفاء أنفسنا بقدر الإمكان، لذلك كان فريق العمل صغيرا للغاية، واعتمدنا على التصوير من أعلى أسطح المنازل وفوق التلال حتى لا نلفت الانتباه”.
وكشف المخرج أن قصة الفيلم -الذي استغرق تصويره 19 يوما- مستمدة من واقع الباعة المتجولين في أفغانستان الذين عايشهم لبعض الوقت وتعرف على تفاصيل حياتهم.
والفيلم من إخراج وتصوير وسيناريو يوسف باراكي (26 عاما)، وسبق عرضه في مهرجان برلين السينمائي في فبراير/شباط الماضي، كما عرض في عدة مهرجانات أخرى بأوروبا، ويشارك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ضمن المسابقة الرسمية الدولية التي تضم 16 فيلما.
وتقام الدورة السابعة والثلاثون للمهرجان في الفترة من 11 إلى 20 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتقدم أكثر من 100 فيلم في أقسام ومسابقات متعددة.
_________
*الجزيرة.نت