*يوسف ضمرة
نخسر ونربح معاً، هذا ليس لغزاً أو معادلة رياضية معقدة.
أتحدث عن الأكاديميين في الأدب العربي، أولئك الذين يمنحون جهودهم كلها للجانب الأكاديمي، وأولئك الذين يوزعون هذه الجهود بين الحركة الأدبية اليومية والسياق الأكاديمي.
نخسر جهوداً وآراء وتحليلات علمية عند الانكفاء، لكننا نربح قيمة تعليمية لأبنائنا. ولكن، لا أحد يستطيع أن يمنع أحداً من هؤلاء الأساتذة من المشاركة والإجادة في الحالين لنربح دائماً.
لدينا أمثلة كثيرة بالطبع، والعالم العربي يعج بهذه الأسماء، لكنه في الوقت نفسه يمنح بعض هواة النقد من حملة الشهادات الجامعية فرصة التعلم في نصوص إبداعية، ربما كان من الأفضل أن يتركوها لغيرهم.
لقد لاحظت أن معظم الأكاديميين الذين يواصلون مشوار الكتابة النقدية بعد الحصول على درجة جامعية هم أولئك الذين انخرطوا باكراً في عالم الأدب، قبل مواصلة مسيرتهم التعليمية، والحصول على درجة جامعية. ولعل الأردن يعد نموذجاً للأقطار العربية، حيث نتذكر كتابات أساتذة مثل إبراهيم خليل، ومحمد عبيدالله، وغسان عبدالخالق، وخليل الشيخ، وإبراهيم السعافين، وأحمد النعيمي، وحكمت النوايسة، وآخرين، فهؤلاء لم يهبطوا على العالم الأدبي بمظلاتهم الجامعية (الشهادات)، بل إن كثيرين منهم أو الأغلبية، كتبوا أكثر من جنس أدبي قبل أن يحصلوا على شهادة جامعية، كالقصة والشعر والنقد.
المشكلة التي تواجهنا الآن تكمن في من هبط علينا بمظلته الجامعية ليكرس نفسه ناقداً أدبياً، سواء قبلنا أم أبينا، وهؤلاء لا نتذكر أنهم خاضوا غمار العالم الأدبي قبل حصولهم على درجات جامعية تؤهلهم للتدريس في الجامعات، وهو الأمر الذي كان عليهم أن يلتزموا به، فالدرجة الجامعية ليست جواز مرور لمن يشاء إلى عالم الأدب، لكنها مؤهل حقيقي لتعليم الطلبة، والإسهام في بناء جيل قادر على حب الأدب، والانحياز إليه.
لم يكن ماركس ناقداً أدبياً، أو لم يقدم نفسه ناقداً أدبياً يوما ما، لكن ملاحظاته النقدية على كثير من الأعمال الأدبية تجعلنا نتوقف ملياً أمام ملكة النقد التي يمتلكها، وبالمقدار نفسه فإن واحداً مثل جاك دريدا يلح على أن التفكيكية ليست منهجاً نقدياً أدبياً، على الرغم من انغماس التفكيكية في العالم الأدبي حتى الأذنين.
نحن أمام معضلة تتسبب فيها العادات والتقاليد الاجتماعية، فمن غير الضروري أن ينشر المشرف الثقافي في صحيفة ما أو مجلة ما، ما يكتبه أستاذ جامعي، فقط لأنه أستاذ جامعي، وفي هذه الحال، فإن هذا المشرف الثقافي يكون واحداً من اثنين، إما أن يكون ضحلاً في عالم الأدب، ولا يستطيع التفريق بين ما يستحق القراءة وما لا يستحق، أو أنه يكون مضطراً للنشر تحت تأثير الدرجة الجامعية التي يتسلح بها هذا الكاتب أو ذاك.
نؤكد احترامنا لهؤلاء الأساتذة، سواء كانوا قادرين على إضافة جديد نوعي للكتابة الأدبية أم لا، لكننا نتمنى عليهم أن يراجعوا أنفسهم وكتاباتهم قبل نشرها، وأحب هنا أن أشير إلى أنني تجرأت يوماً ورفضت «كعضو لجنة قراءة» نشر كتاب لأستاذ جامعي، يشكل أطروحة الماجستير التي حصل عليها من جامعة ما، من دون أن أعرف هذا الأستاذ حتى اليوم، بعد مرور سنوات على هذه الواقعة.
أضاف الكثيرون من الأكاديميين إلى المشهد الأدبي، وذلك باجتهادهم ومتابعاتهم الجادة، وهو ما نتمنى أن يفعله الآخرون ممن يحاولون، متسرعين وغير مبالين، طالما كانت الدرجة الجامعية تمنحهم حصانة اجتماعية ما.. للأسف!.
________
*الإمارات اليوم