ميسون الأسدي تخلق شيئاً من لا شيء



زياد جيوسي*


خاص ( ثقافات )

ليست المرة الأولى التي تحلّق فيها روحي مع إبداعات الكاتبة ميسون الأسدي، فكلما صدر لها مجموعة قصصية أو رواية أو حتى قصص أطفال، أكون مبادراً لسرعة القراءة والتحليق بما تبوح به روحها، وفي هذه الرواية (تراحيل الأرمن) وحين وصلتني “مسوَّدة”، لفت نظري العنوان فوراً، وما إن بدأت بالقراءة حتى همست لنفسي: سامحك الله يا ميسون فقد أعدتِ لي شلالاً من الذاكرة بمرحلة بداية السبعينيات من القرن الماضي، حين كنت طالباً في المراحل الإعدادية الثانوية وكنت أسكن وأسرتي في جبل الأشرفية في عمَّان عاصمة الأردن، وسكنَّا أطراف حي الأرمن مرة وفي قلب الحي مرة ثانية، ودرست في مدرستين إحداهما في أعلى الحي والثانية في أوسطه، مع ما تحمله تلك الفترة من بدايات الشباب المبكّر وذكريات حلوة لحي متميز وراقٍ في المدينة.

التشابه الذي سعت إليه الكاتبة في الرواية بين مأساة الأرمن ومأساة الفلسطينيين دقيق من حيث بعض الجوانب، فالصهيونية تريد أرضاً فارغة إلا من اليهود، فلم تستثنِ أحداً من القتل والتهجير والإجرام، لكن نظرة عامة للأرمن فلديهم دولة تخصهم (أرمينيا)، فلماذا لم تكن تشكل هدفاً للعودة إليها كما هدف الفلسطينيون بالعودة إلى فلسطين؟ علماً أن الأثرياء منهم يفكرون بمساعدة شعبهم وخاصة حين حصول أحداث كالزلزال، لكن لم يكن مفهوم العودة للوطن هدفاً أساسياً عندهم كما نلمس عند شخصيات الرواية.

ومن المهم الإشارة أن كل ما نراه من أحداث الرواية هو عبارة عن الحكايات التي رُويت من أبطال الرواية في يوم تقديس العنب، وتبدأ الحكايات من كنيسة الأرمن وتنتهي مع نهاية السهرة في نادي الأرمن في حيفا، حيث بمجرد انتهاء الاحتفالات يسافر جايزاك كعادته، فهل سنصل إلى خاتمة الرواية التي انتهت حكاياتها بانتهاء السهرة وسفر جايزاك، فهل ستكون هناك حكايات أخرى إن عاد البطل الرئيسي في الرواية مرة أخرى إلى حيفا؟ لذا أترك الحديث عن الخاتمة للقارئ ليستخلص ما يراه.. لكني أشير في النهاية أن الكاتبة ميسون الأسدي تمكنت أن تخلق شيئاً من لا شيء، خلقت رواية من حكايات بدأت تنقرض من ذاكرة الجيل الجديد من الأرمن، ومعظمها حكايات تاريخ شفوي سمعتها من عدد من أصدقائها الأرمن، وأعادتها بأسلوب روائي يشد القارئ من البداية إلى النهاية، وبذلت مجهوداً كبيراً في جمع وترجمة وإيراد مجموعة من القصائد الشعرية الأرمنية في أكثر من فصل من فصول الرواية، وهي قصائد قائمة على الحديث عن المذابح التي تعرَّضوا لها وعن الحنين لأرمينيا، في الوقت الذي نجد كما أشرت سابقاً أن الحنين لفظي وليس عملياً.

* رام الله- فلسطين

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *