*يوسف ضمرة
أنت في النهاية لا تمثل نفسك، أنت تمثل القبيلة أولاً وثانياً وعاشراً. وأول ملمح من ملامحك كشاعر للقبيلة، هو ألا تخرج على تراتبية الموضوعات في القصيدة.
فإن مت فانعيني بما أنا أهله/ وشقي عليّ الجيب يا ابنة معبدِ.. طرفة.
فما أنا إلا من غزية إن غوت، غويتُ وإن ترشد غزية أرشدِ.. دريد بن الصمة.
لم تختلف الحال كثيراً، على الرغم مما يحكى عن الحداثة والحداثيين. فالقبيلة مازالت في الصرة التي يربطها البعض بحزامه. وأطلال خولة مازالت تلوح لشعراء قصيدة النثر، تماماً كما لاحت ذات يوم لطرفة.
دعونا من ترف الحكي في الحداثة، وأنتم تتحسسون حروف القبيلة في الكوفية حول رقابكم. ولا حاجة إلى الإكثار في الحديث عن هوليوود وأنتم تحملون الخيمة في جيوبكم.
من يُرِد كسر السائد يتقدم أولاً لإحداث قطيعة معرفية مع القبيلة. ومن ينطوي على ثقافة تنويرية حقيقية، فهو مستعد «ليستفّ ترب الأرض» على غرار الشنفرى، لا أن يلهث خلف مبهجات القبيلة. كسر السائد يعني فك ارتباط المثقف بالتناقضات التي صفقنا لها عند المتنبي حين مدح كافوراً وهجاه في الوقت نفسه.
حين كسر الشنفرى نمطية القصيدة، كان يكسر ثقافة القبيلة. وهو الأمر ذاته الذي فعله كل من رامبو وبودلير في ما بعد.
تقبع الديكتاتورية في مفردات الحياة اليومية لمثقفين عرب، يريدون إيهامنا أنهم يناضلون ضدها. فهم من جهة يتسلحون بمكتسبات القبيلة في المجتمع والسلطة على حد سواء، ومن جهة أخرى يدّعون الحداثة. إنهم يتقلدون مناصب عليا، ويحظون بدعم السلطة والقبيلة معاً. إنه لأمر مربك لا يستقيم بتاتاً. فإما أن تكون حداثوياً أو ماضويا. أما الاحتفاظ بالقناعين معاً، ففي لحظة طائشة، قد تتكشف الملامح الحقيقية. هذه اللحظة، هي الخفة المكتسبة للقدرة على استبدال قناع منهما بالآخر حيثما لزم الأمر. قد ترتجف اليد وتذهب مهارة الخفة المكتسبة كلها أدراج الرياح.
تبدو الكاتبة العربية مأزومة في هذا السياق أكثر من الرجل. فهي ربما تكون أماً وزوجة وصاحبة وظيفة مرموقة. وهو ما يحتم عليها أن تتعلم المشي على حبل مشدود، والإمساك بعصا طويلة بيديها الاثنتين، لكي تتمكن من اجتياز مسافة الحبل من دون السقوط، وهي تعلم أن شبكة الأمان ليست مضمونة أو ربما ليست منصوبة أبداً.
إن الكتابة في هذا السياق سهلة جداً. فكل كاتب أو كاتبة لديه/ا وسيلة للتعبير عن الرأي. لكن يظل السؤال قائماً: من نصدق؟ المكتوب أم صرة القبيلة المعلقة بحزام على الخصر! لقد كانت ميسون البحدلية زوجة معاوية أكثر صدقاً مع نفسها من كثيرين، على الرغم من مرور ألف سنة على أبياتها الشهيرة. وزوجة الخليفة معاوية لم تكن تنقصها أشكال الترف، لكنها اعترفت بشجاعة أنها لا تملك في أعماقها تربة خصبة لزراعة أشجار الحداثة. كان في استطاعتها التغني بحياة الحضر، وكان الكثيرون سيصدقونها. لكن صدقها مع ذاتها منعها من ذلك، فكتبت أبياتها الشهيرة، التي جعلت معاوية يشفق عليها ويطلقها ويعيدها إلى قبيلتها.
لبيت تخفق الأرياح فيه/ أحب إليّ من قصر منيفِ
ولبس عباءة وتقر عيني/ أحب إليّ من لبس الشفوفِ
لكم نود أن تكون بيننا «ميسونات» صادقات، ذكوراً وإناثاً، لأن الجمع بين ميسون ومعاوية لا يستقيم.
______
*الإمارات اليوم