العامري: أكتب في الحبّ لمقاومة الخراب


* إيناس محيسن


عدّ الشاعر علي العامري فترة الثمانينات «مرحلة ذهبية للإبداع في الإمارات»، حيث شهدت الساحة الثقافية حراكاً ابداعياً جديداً وتجارب مغايرة في الكتابة، وأفرزت أسماء حققت في ما بعد حضورها المتميز محلياً وعربياً، خصوصاً انها شقت طريقاً جديداً في الكتابة، لتظهر موجة شبابية متدفقة بالعطاء والمغامرة الابداعية. «خلال تلك المرحلة كانت الظروف تتهيأ لمزيد من النمو الثقافي، وكانت كثيرة الأسئلة، وكثيرة الحوارات، عبر الصحافة التي واكبت التطور الثقافي، كما كانت المؤسسات الثقافية محدودة العدد، لكن فاعليتها كبيرة»، مشيراً إلى ان كثيراً من المبدعين الذين ظهروا في تلك الفترة في مجالات الشعر والقصة والمسرح والفن التشكيلي درسوا في جامعة الإمارات.
وشدد الزميل العامري خلال الأمسية التي نظمها اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في أبوظبي، أول من أمس، وأضفى عليها الشاعر اجواء من الفرح، فخرجت عن الإطار المألوف للندوات، على تمسكه بالكتابة عن الحب، رغم ما يشهده الوطن العربي من أحداث، «نعم أكتب عن الحب وسأبقى أكتب عنه، فهو كل متكامل يحمل أجمل القيم مثل العدل والحرية والمساواة والكرامة، ويحقق انسانية الإنسان. فكل احتلال هو عدو للحب، بينما الحب هو الفعل المضاد والمقاوم للخراب».
وحول مفهوم الكتابة؛ قال العامري في الامسية التي قدم لها قيس الدمشقي، ان «الكتابة ليست مجرد حروف مصفوفة، وهي ليست نزوة أبجدية، هكذا في البدء تعلمت ذلك، إذ ان الاشتغال في الكتابة يمثل اشتغالاً في اللهب، وهو محاولة لسبر مفازات روحية، وتلمس الجمال المتواري في عتمة الحياة والزمن والذات». وأضاف «تساءلت كثيرا عن جوهر الكتابة، ولم اجد سوى جواب يظل ناقصاً أيضاً، ليزداد توتر الأسئلة، لكن يبدو لي ان الكتابة تعيد لي توازناً روحياً مؤقتاً، سرعان ما يهب اللهب الداخلي الى القلق من جديد، كما لو ان الشاعر شجرة يزودها البرق بشحنة جديدة للحياة والكتابة والأسئلة»، مؤكدا أن »الكتابة مثل الحب، كلاهما طريقان في المعرفة الحدسية، فالحب يختبر قلوبنا من خلال اجتياح جمالي، وكذلك القصيدة تجتاحنا وتصيبنا برعشة الجمال». وعدّ الإبداع مماثلاً لعشبة الخلود في أسطورة جلجامش. وقال العامري إن «الانسان منذ الكهف الأول يسعى الى علاج الغياب، فوجد عشبته السحرية في الإبداع، عبر الرسم على جدران الكهوف الصخرية، لتكون شاهداً على أثر الإنسان، اي علامة وجود. وتدرجت الابتكارات عبر الزمن، وصولاً الى الأبجدية حفيدة الرسم الكهفي، إذ اختزلت الأشكال المرسومة لتغدو حروفاً، عبر ارتحال الصورة من التجسيد إلى التجريد».
وتوقف العامري صاحب «خيط مسحور» أمام مرجعيات تجربته الشعرية، موضحاً انه لا يمكن الحديث عن تجربة ابداعية، من دون التطرق الى مرجعياتها، التي تمثل الزوادة الاولى للخيال والوعي الجمالي والمعرفة أيضاً، لافتاً إلى ان في تجربته الشعرية مرجعيات أساسية تتمثل في أرض الطفولة، وفضاء الحب، وكتاب الطبيعة، وحكايات الجدة والأم، والكتب والحياة والوجوه، مستذكراً مشاهد من طفولته في قرية القليعات التي عاش فيها طفولة البراري. وقال «أتذكر المشهدية التي تتشكل في كل لحظة، في حقول القرية وفوق يد النهر وفي جبال البلوط، تلك المشهدية تتشكل مع رفرفة الطيور وتحليقها الى انسياب نهر الأردن الذي تعمدنا بمياهه مبكراً، الى رسائل الحب التي كنت أخبئها تحت صخرة بجوار شجرة سدر برية في الجبل، لكيلا تقع تلك الرسائل في يد أبي. وكنت اصعد الجبل وأتفقد كنز القلب، وأهبط الى الوادي، حيث فتاة الرسائل تعبئ دلوها من مياه النبع، كما لو انها تغرف صورة العاشق من مرايا النبع».
وأضاف «هذي حدوسي.. هذي يدي المبهمة»، و«كسوف أبيض»، إن «خيط الكتابة بدأ مبكراً منذ دراستي في مدرسة وقاص، التابعة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، تلك المدرسة الطينية. وواصلت مع أخي محمد الشغف بالفن والكتابة، حتى اننا في طفولتنا البرية كنا نذهب الى الوديان للحصول على أحجار (الحثان) الكلسية، ونعود بالغنيمة الحجرية الى البيت، لنبدأ نحت اشكال متعددة، بالأزاميل وسكاكين المطبخ.
ومن مشاهد الطفولة، كنا نصطاد عصافير الدوري ونلونها ثم نطلقها في الهواء. تلك الفكرة المجنونة كانت مؤشراً مبكراً على عائلة ممسوسة بالإبداع، اذ تضم عائلتي شعراء وفنانين تشكيليين، وكان لدينا أول مكتبة عائلية في القرية».
بعد ذلك انتقل علي العامري إلى فترة دراسته الجامعية في جامعة الإمارات في مدينة العين، التي كانت تضم عدداً كبيراً من الطلاب والطالبات الذين لديهم شغف بالإبداع، من الشعر الى الفن التشكيلي والمسرح والقصة والرواية. وكانت عمادة شؤون الطلاب تهتم بالجانب الإبداعي، وتم تأسيس أندية في هذا الشأن، منها المسرح الحر والمرسم الحر ونادي السينما، كان ذلك في منتصف الثمانينات. كما تعرف إلى مجموعة من الطلاب اصبحوا عائلة ابداعية في الجامعة، متفاعلة مع الحركة الثقافية ومساهمة في المشهد الثقافي، ومن بينهم الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني، الذي اسهم في جمع قصائد للطلاب الشعراء أصدرتها الجامعة في مجموعة بعنوان «أغاني البحر والعشق والنخيل»، وكذلك مجموعة قصصية، بمشاركة طالبات، من بينهن سلمى مطر سيف. وأضاف «في الجامعة هجرت دراسة الجيولوجيا، ودرست الصحافة والأدب العربي، إذ كانت الكتابة مغناطيساً غامضاً يجذبني إليه منذ سنوات الدراسة الابتدائية. وكانت مرحلة الجامعة تمريناً في الأبجدية واللون، ومختبراً للقراءة في الشعر والرواية وتراث الشعوب والفكر، خصوصاً الفلسفة الظاهراتية والأساطير».
_____
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *