محمد جميل أحمد
ربما كان لتلك الأوهام لدى بعض الكتّاب العرب والشعراء جذور في الذاكرة والتراث واللغة لناحية تمجيد الكلام بوصفه أحد أهم ميادين الإبداع المقدس في تلك الذاكرة. لكن ليس في مقتضيات الحياة الحديثة، ولا في واقع الكتابة في الغرب ــ وهي كتابة لها فاعلية قوية ــ ما يبرّر بالضرورة اقتراناً شرطياً؛ بين حساسية الكتابة وأوهامها الرسولية تلك، وبين اندراجها في حيثية عادية كأي ميل أو مهنة للبشر في هذه الحياة. وإذا صح أنه ليس من المهم لكاتب أن يشبه كاتباً آخر، لأن تجربة الكتابة لا تعكس تطابقاً في إنتاج المبدعين؛ صحَّ أنه: كلما أصبح الكاتب متخفّفاً من الأوهام التي ينسجها حوله وحول ما يكتبه، كلما كان أقرب إلى الواقع وإلى صورته في مرايا الآخرين. قد تكون الكتابة بلا أوهام، لكاتب ينظر إلى الحياة بوصفها رهاناً محتملاً ومشروعاً لتنوّع الميول وتعدّد المهن المهمة للحياة الإنسانية؛ هي أكثر الكتابات رقيّاً وإنسانية واحتراماً لهوايات الآخرين المشروعة. وهذه القيمة لموقف الكاتب عارياً من أوهامه؛ من شأنها أن تجمّل الحياة كلون من ألوان طيفها؛ فالحياة، وميول الآخرين فيها، أكبر من الكتابة.