كاتبة وكاتب.. وثالثهما الحب




يحفل الوسط الأدبي بثنائيات أدبية عديدة وعلاقات عاطفية دامت سنوات طويلة، بعضها استمر مراسلات أدبية ووجدانية ولم تتوج بلقاء أبدا، وبعضها انتهى نهاية مأساوية بالانتحار، وكثير من القصص انتهت بالانفصال والغياب والفشل، ولم يكتب النجاح لغالبية هذه العلاقات.

غير أنها وإن فشلت اجتماعيا وعاطفيا لكنها أنتجت مادة إبداعية شغلت النقاد والقراء وكانت تتنوع بين أكثر من جنس أدبي كالمراسلات التي دارت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وكنتاج شعري كالذي كتبته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز، والكتابات الفلسفية التي أنتجتها علاقة جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار.
علاقات عاطفية كثيرة دخلت مساحة التواصل من باب واسع هو الإبداع واستندت إلى جدار الحب، تكسرت المشاعر على ذلك الجدار وتهاوت مثل نجم يائس لكن الباب ظل مفتوحا، مات الحب وظل الإبداع شاهدا يسجل كل تفاصيل الحالات النفسية التي مر بها الثنائي الأدبي.
تتميز علاقة الروائيين الفرنسيين المتزوجين منذ 48 سنة جوليا كريستيفا وفيليب سولير بالاحتشام والعزلة، العزلة بمعنى أن كل واحد فيهما مسؤول عن نفسه فقط، وهما يحتفظان بحد أدنى من التفاهم ويمارس كل منهما بعد ذلك طقوس حياته بحرية واستقلالية، حتى أن قليلين يعرفون بأمر زواجهما على الرغم من طول مدته، وقد عبرت كريستيفا عن ذلك بقولها “لا أحس بأية مسؤولية تجاهه، فقط بمسؤوليتي الشخصية لسنا مسؤولين سوى عن أنفسنا”.
يعد فيليب سولير (79 سنة) من أهم الروائيين في فرنسا، وتلقى كتبه رواجا وانتشارا واسعين، فمنذ صدور روايته الأولى “عزلة فضولية” عام 1958 عرف سولير كروائي يعتمد الأسلوب الكلاسيكي في كتابته السردية، مما جعل روايته الأولى تحظى باهتمام نقدي واسع وترحيب مميز من القراء والمهتمين والنقاد الفرنسيين في ذلك الوقت أمثال فرانسوا مورياك ولوي أراغون.
أما جوليا كريستيفا (74 سنة) الفيلسوفة والروائية الفرنسية من أصل بلغاري فتعتبر من أهم الكتاب الفرنسيين الذين لهم تأثير في التحليل النقدي الدولي فقد أصدرت كمية هائلة من الأعمال التي تشمل الكتب والمقالات التي تعالج التناص والسيميائية والتهميش، وفي مجالات اللسانيات، ونظرية الأدب والنقد والتحليل النفسي والسيرة الذاتية والسياسية والثقافية.
وكانت كريستيفا منفتحة حياتيا وعلميا ومعارضة لكل ما هو منغلق وجامد في قراءاتها وكتاباتها وهذا الاتجاه جاء نتيجة تنوعها الثقافي، فقد سافرت كثيرا في الجغرافيا وفي ذاتها وبين التخصصات المعرفية التي طرقتها طوال مسيرتها المعرفية الممتد على فترة زمنية تقارب النصف قرن.
فقد بدأت بنشر أعمالها الاولى في أواخر الستينيات وفي هذه الفترة المبكرة من حياة كريستيفا الأدبية التي بدأتها في فرنسا كانت عضوا بارزا في مجلة “تل كل”، وأيضا من الأعضاء الفاعلين في جمعية “الكتاب” التي كانت تضم نخبة مهمة من مفكري فرنسا من امثال ميشال فوكو ورولان بارث وفيليب سولير، حيث تعرفت كريستينا عليه وأعجب قلبه بهذه البلغارية الشقراء الحادة الذكاء، إذ قال عنها “إنها جميلة وذكية ولامعة الحضور” وتطور الإعجاب إلى علاقة حب قوية وتزوجا سنة 1970 وهي السنة نفسها التي نشرت فيها كريستيفا كتابها الأكثر تميزا وشهرة وتناولا في بداية مشوارها العلمي “نص الرواية”.

العشاق يتقاسمون طفولتهم 
كتب سولير في روايته الأخيرة “بورتريهات نساء” عن الحب: “العشاق يتقاسمون طفولتهم، أي يتقاسمون الرغبات قبل أن تصبح رغبات ومن هنا فإن تعبير “حب صاعق” دقيق، لا شيء مضطرب وهائج، رغم أنه بريق ورعد في سماء زرقاء جدا، بريق قادم من الهدوء.. لقد شاهدت هذه الظاهرة مرة في جزيرة يونانية ولا اسم لهذه الظاهرة، وهي غير مشهودة من قبل”.
حياة هذا الثنائي كانت وما زالت تتمتع بالحرية والاستقلالية، فكل منهما منشغل في إنتاجه الأدبي والعلمي، وكانت تجمعهما علاقة الزواج غير التقليدية، فلا أحد منهما يتحمل مسؤولية الآخر، امتدت بينهما مساحة العزلة الإيجابية التي عاشاها وكتبها سولير ففيها يمكن للروائي أن يخلق شخوصه ويفكر في حركتها وما مصيرها وإلى أين هي ماضية، وفيها أيضا، أي العزلة يقرأ الكاتب ويمارس تأمله وحيدا ويمارس شروده فيما يقرأ ويكتب وحيدا.. وهذه هي الأجواء التي عاشها الثنائي الفرنسي في سنوات زواجهما وحياتهما الإبداعية الطويلة.
———–
ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *