أحمد عبد اللطيف
أعلنت جائزة «بلانيتا» الإسبانية المرموقة، التي تبلغ قيمتها 600 ألف يورو، اسم الفائز في دورتها الحادية والستين وهي الروائية أليثيا خيمينيث بارتلت، عن روايتها «رجال عراة»، التي تتناول عهر الذكور في المجتمع الإسباني.
إعلان اسم الفائزة والرواية أثر جداً في الأوساط الثقافية الإسبانية، بل وشعرت بعدم الارتياح، إذ تعدّ بارتلت، على رغم حصولها من قبل على جوائز مرموقة مثل جائزة «نادال»، كاتبة من المرتبة الثانية، أو كاتبة روايات «بوب آرت» مع طلاء جاد، يغوص في المجتمع ليعكس نكباته.
لجنة التحكيم رأت أن العمل يتميز بـ «ديالوغ شديد الإتقان، ومونولوغ داخلي يعكس عالم الشخصيات المضطرب»، وهو ما كان كافياً بالنسبة للجنة، لتتفوق على خمسمئة مخطوط تقدمت للجائزة التي تعتبر الأعلى في قيمتها المادية بين الجوائز الإسبانية.
شرارة الاعتراض انطلقت من جريدة «الباييس» الإسبانية، أكثر الجرائد انتشاراً فهي رأت أن «بلانيتا» أصبحت في سنواتها الأخيرة تبحث عن الأعمال الأكثر جذباً للقارئ، بخاصة إذا كانت أعمالاً لكاتب مشهور، وأن يضم العمل «ثيمة» مثيرة اجتماعياً. وهي الشروط التي توافرت في عمل بارتلت، المشهورة بسلسلة المفتشة بيترا ديليكادو.
ولكن بعيداً عن الانتقادات، تحاول بارتلت في روايتها «رجال عراة» أن تسلط الضوء على آثار الأزمة الاقتصادية في الحياة الاجتماعية، من منظور ربما لم يُعالج من قبل في الرواية الإسبانية. في الرواية، تحاول الكاتبة (64 عاماً) البحث عن تأثيرات الأزمة في الحياة الاجتماعية والنفسية للبطل الحاصل على الدكتوراة في الأدب ولا يزال في بطالة. بطل التقى مصادفة بسيدة أعمال ثرية فقرر أن تكون مخلصته. من هنا تتناول «العهر الذكوري» الذي يعتبر أحد مخلفات الأزمة.
تقول بارتلت إن الفكرة واتتها عندما كانت في حفلة وتعرفت عبر صديقة لها على شاب جيولوجي لا يعمل ويبدو عليه الثراء، حينها سارت وراء فضولها لتعرف أنه تزوج من سيدة عجوز هي سيدة أعمال ثرية.
بهذه الطريقة، تعمل بارتلت وفق رؤية فنية واضحة وراسخة بالنسبة لها: «أحب أن يكون القارئ على معرفة سابقة بشخصياتي»، تقول، لتقتصر مهمتها ككاتبة على إعادة إنتاج الواقع داخل العمل، لتبحث في داخله عن أسباب تكونه. وهي بذلك تتخلى عن صفة «المؤلف» الضرورية للكاتب الروائي، لتستعير صفة «المحلل» في سياق حكاية قد يعرفها الجميع، حتى ولو لم تُكتب من قبل.
عبر «رجال عراة»، تتساءل بارتلت عن جــوهر الأزمة: «هل هـــو صراع الجنس أم صراع المساواة؟ هل ثمة أحد يثور؟ ولو ثار أحد، فهل سنجد ثمة نتيجة؟ ما الثمن الذي يدفعه هؤلاء المتفوقون الذين لم يجدوا عملاً؟». تقول بارتلت: «هنا نعثر على صراع مجتمعي ينبض، غير أن أحدًا لا يكتب عنه».
في نظر كاتبتها، تعتبر «رجال عراة» اكتشافاً اجتماعياً، ولأنها عمل أكثر جدية، رأت الكاتبة ألا تضمها الى سلسلتها السابقة، المعنية أيضاً بالأسئلة الجنسانية ووضع المرأة والمساواة، مثل روايتها «غرفة خارجية».
تعرف بارتلت تصنيفها بين الأدباء، وتشعر بمرارة نسبية. تعرف أنها مشهورة بلقب «سيدة الرواية السوداء الإسبانية»، ولا يقلل من المرارة فوزها بجوائز مرموقة. تقول: «كتبت ما أردت وأعيش حياة مستريحة من كتبي، الباقي ليس إلا حاجة مجتمعنا لعمل تصنيفات ووضع ملصقات».
في النهاية، الرواية الفائزة بـ«بلانيتا» هـذا العام رواية مسليــــــة، تعـــالج موضــوعاً اجتماعياً غير مطروح من قبل، ولابد أن قارئ الأدب السريع سيستمتع بقراءتها.
——-
الحياة