راماكانتا راث..وقصائد بلغة «أوديا» الهندية القديمة


ترجمة وتقديم: خالد البدور


شغَل الشاعر الهندي راماكانتا راث نفسه طوال عمره بالتنقيب «شعرياً» في الجوانب الغامضة والقصية في النفس الإنسانية، كما بحث دوماً في لغز الحياة والموت، وكتب في العزلة والوحدة، والتي كانت من أهم الثيمات التي سيطرت على نصوصه. لكن قبل التعرف على شعره من الضرورة التعريف بالخلفية التاريخية والثقافية التي نشأ فيها.

تعتبر ولاية «أوريشا» التي ولد فيها الشاعر إحدى الولايات التي تقع في الجانب الشرقي من شبه القارة الهندية بالقرب من خليج البنغال، وتلقّب بأرض السحر والغموض، كما تلقب ب«روح الهند». تمتلئ بدور العبادة القديمة، كما يقيم فيها العديد من المعلّمين الروحانيين والأدباء والفنانين، بالإضافة إلى كونها تتمتع بالطبيعة الجبلية الساحرة. يشكل الشعر والغناء جزءاً هاماً من ثقافة «أوريشا». ففي المهرجانات المتعددة وفي التجمعات يمكن لأي شخص أن يغني ويقول الشعر حيث يجتمعون ويؤلفون الأغاني والأشعار ويؤدونها في المهرجانات. وفي الإقليم العشرات من القبائل ولكل قبيلة أغانٍ وأشعار خاصة بها.
يكتب الشاعر بلغة «أوديا» والتي تعتبر اليوم من اللغات الكلاسيكية الهندية القديمة. يعود تاريخ الأدب المكتوب بهذه اللغة إلى القرن الثالث عشر، ويعتبر تراثاً أدبياً غنياً وثرياً، إلا أنه غير متداول ومعروف خارج الهند.
يُظلّلُ الشاعر شعره بظلالٍ تشاؤمية، وتسيطر الكآبة على عالمه الشعري، ويمكن لك أن تسمع ما يشبه المراثي في حتمية الموت والإحساس باللاجدوى بين ثنايا قصائده. تقرأ راماكانتا راث فتلج شبكة علاقات كثيفة وخفيّة بحيث ينتقل بك من حالة مأساوية إلى السخرية من المأساة نفسها. صوره الشعرية الممتلئة بالرموز المادية والميتافيزيقية تفلت بذكاء من الدلالات التي توحي بها لغته ذات البساطة الظاهرة. يتميز شعره بأنه معاصر وحديث، وفي الآن نفسه مرتبط في أعماقه بجذور الثقافة الروحانية الهندية.
من أهم الثيمات التي عالجها البحث في لغز الحياة والموت، وفي العزلة الداخلية للإنسان. كما اهتم بخضوع الإنسان للاحتياجات المادية، والرغبات الشهوانية. يصبغ شعره طابع تشاؤمي وأسلوب ضد – جمالي. وتسيطر على قصائده الكآبة ومرثيات الموت المحتم.
القصائد المختارة مترجمة من اللغة الإنجليزية ومأخوذة من إحدى إصدارات سلسة «كتّاب الهند غراس روتس»، والذي يحوي 38 قصيدة مختارة من عدة كتب أصدرها الشاعر، وقد قام هو بنفسه بالترجمة من لغة «أوديا» التي يكتب بها إلى اللغة الإنجليزية.
نشرتُ شبكة كلماتي حولكِ
نَشرتُ شَبكة كلِماتي حولَكِ
وصدّقتُ أن لا مخرجَ لكِ.
لبعض الكلمات معانٍ عدّة.
تصورتُ حياتَكِ، كحياتي، مجبولة من الكلمات،
وأن كلماتي ستحلق دوماً
فوق صمتكِ المتقطّع.
كيف كان لي أن أعرف
أنني لا أواجهكِ، بل أواجِهَ ظِلَّكِ
تصورتُ أنه سعيدٌ بكلماتي فابتسمتُ،
أو منزعجاً، يقذفُ صخوراً ملتهبة من البراكين.
لقد انتزعنا كلمات أحلامنا من الرياح
وانتحبنا بصوت واحد
أضاع كلاً منّا نفسه في احتضان الآخر.
الكلمات شواهد على كل هذا،
لكن كل شيء تلاشى مع وصولكِ.
كنتُ صامتاً، وبكل بساطةٍ، نظرتُ إليكِ،
كُنتِ الماضي، الحاضر، والمستقبل،
اللحظة المنفردة لمجيء وذهاب كل الفصول،
سيرة الياسمين، والفراشات، والرعود
لا كلمات لدي، ولا حتى كلمات لأشرح
حالةَ أني لم أوجد أبداً.
طلبٌ إلى الموتى
أمنحكم هذا الماء،
يا أبي، ويا جدي، ويا جدي الأكبر،
ولكم أنتم أيضاً أيها الجنود والجنرالات
يا من قاتلتم لأجلنا، وقاتلتم ضدنا
ومُتُّم بسبب هذه الحرب.
ها أنا أقف هنا، على أرض هذه المعركة،
وأمنحكم هذا الماء وهذا الأرز
لكم أنتم، الذين لا بد أن تكونوا جوعى
وعطاشى.
لا تطلبوا أكثر
من الماء والأرز.
لا تضيفوا لقائمة الأشياء الطويلة
التي لم أستطع منحها.
اكتفوا بهذا الماء والأرز
وعودوا من حيث جئتم.
تأملوا هذا: عديدة تلك السنوات التي أمضيتها معكم
أما هذه السنة فلن تطول قبل أن ألحق بكم
إلى حيثما تُقيمون مؤقتاً.
هل تَملَّكت شيئاً
غير هذا الماء وهذا الأرز،
هل منعتهما عنكم
أو طالبتكم بالعودة؟
كل ما أملك غير هذا الماء وهذا الأرز
ليس جديراً بأن يوهبَ
للأرواح الراحلة.
نعم، إنني أجوب في كل يوم من أيام حياتي
بأحمالٍ من الأشياء التي لم يُفصح عنها
لكنني كلما تأملتها
تحطّمْتُ، وصرخت
بصوت يشق السماوات
والعالم السفلي.
الدموع تملأ عينيّ
عندما أقدم هذه الهبة من الماء والرز.
أنا أعرف، عندما سيحين دوري
لن أحصل على ماء أو رز.
انظروا لقد أوشكت الشمس على المغيب.
الآن، عودوا إلى الأمكنة التي جئتم منها
بالقليل من الماء والقليل من الرز الذي منحتكم إياه.
انظروا، أنا نفسي، لا أملك ماء أو رزاً.
انظروا، أنا لا أملك شيئاً سوى أشياء قليلة
لم أمنحكم إياها
وأبقيتها لنفسي.
بوكس مع الشاعر الهندي
بطاقة شعرية
ولد راماكانتا راث عام 1934 بأوديشا في الجانب الشرقي من الهند، ويعتبر أحد أهم الشعراء المحدثين في الهند. كتب شعره باللغة القديمة لأقليم أوديشا، وهي لغة أوريا، وقام هو نفسه بترجمة شعره إلى اللغة الإنجليزية. تأثر بالفلسفة والثقافة الهندية مع مؤثرات من شعراء مثل ت. إس. إليوت وعزرا باوند. حصل على ماجستير في الأدب الإنجليزي، وفاز بالكثير من الجوائز الأدبية، وحصل على العديد من الأوسمة. عمل موظفاً إدارياً في حكومة إقليم أوديشا، مع استمراره في كتابة الشعر، كما عمل رئيساً لأكاديمية ساهيتا الهندية المرموقة.
——-
الاتحاد

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *