اعداد: دارين شبير
بين المرأة والرواية علاقة من نوع خاص، وشغفٌ لا ينتهي، تجدها تُبحر فيها فتنهمر إبداعاً على شواطئها، تغرس أبطالها بين السطور، وتسقي الأحداث والمواقف من نهر أفكارها، وتروي حبكتها من نبع أحاسيسها، فيثمر غرسها حصاداً يانعاً، لتتوالى الفصول ويتألق الربيع على يديها.
علاقة حب وتفاهم بين المرأة والرواية، نجدها حاضرة في كل مكان، فالأولى تعشق التفاصيل، لتجد ضالتها في الرواية التي تمنحها ما تحتاج من مساحة للبوح، فيظهر التناغم بينهما واضحاً، وتنتصران لبعضهما.
روايات نسائية عديدة، عرفت طريقها إلى القارئ فأبهرته، وخلقت لديه تساؤلات عدة، أغلبها يدور حول علاقة المرأة بالرواية، وسبب اندفاعها نحوها، وهل لذلك علاقة بطبيعتها التي تهوى البوح والحديث؟ أم لكونها غيمة تمطر إبداعاً حتى آخر قطرة، وهل اندفاع المرأة نحو الرواية في صالحها أم ضدها؟
“البيان” تواصلت مع عدد من الروائيات على ساحتنا المحلية، ليؤكدن أن الرواية متنفس تشعر فيه المرأة بالحرية، وتبث من خلاله ما يختزل قلبها وصدرها من انفعالات ومشاعر، وما يعتري عقلها من أفكار ووجهات نظر.
أكدت الأديبة نجيبة الرفاعي أن السنوات الأخيرة شهدت اندفاعاً قوياً من قِبل المرأة تجاه الرواية، لتصبح الطاغية على الإصدارات الأخرى، وقالت: تمنح الرواية لكاتبها مساحة أكبر للتعبير، بكل ما فيها من صور وأحداث، وبكل ما تسمح به من سرد للتفاصيل الدقيقة، إضافة إلى التوسع المسموح في جوانبها، والمدى الزمني المتباعد، الذي يتيح للكاتب أن يخرج كل ما لديه من فكر وخيال، كما أن زيادة إقبال القراء على الرواية، يزيد بالتالي اتجاه الكُتاب نحوها، فالمسألة عرض وطلب.
وذكرت الرفاعي أن القصة القصيرة عكس الرواية، تحتاج إلى تكثيف الأحداث والشخصيات، ولذا فهي أصعب من غيرها. وقالت: استسهل بعض الأدباء الجدد كتابة الرواية، فوقعوا في مطب الرواية السطحية، وقد رأيت بنفسي عناوين كثيرة على أرفف المكتبات، إلا أني لم أجد فيها ما يروي شغفي بالقراءة، فأحداثها سطحية لا عمق فيها، وهذه في نظري مشكلة كبيرة.
استعجال
ولفتت الرفاعي إلى أن الاستعجال في الحصول على الشهرة أدى إلى تخمة الساحة الأدبية بعناوين كثيرة فقيرة بمستواها ومضمونها. وقالت: روايات كثيرة تفتقر إلى الجودة، وأرى في عرضها ظلماً للقارئ؛ كما أن دور النشر تتفنن في عرض إصداراتها بغرض الترويج لها، وليس بغرض تقديم أكبر قدر من الفائدة للقارئ.
وأنهت الرفاعي حديثها بالقول: للأسف، تضيع الروايات الجيدة في هذا الازدحام، وتُظلم بسبب اندفاع أصحاب الأقلام الضعيفة نحو كتابة الروايات.
نظرة
عبرت الروائية فتحية النمر عن رأيها في اندفاع الكثيرات نحو الرواية، وقالت: تمتاز الرواية بمساحة حرية كبيرة، إلا أن ذلك – في رأيي- ليس مبرراً لاقتحام هذا المجال دون امتلاك الخبرة، لأن الرواية تحتاج إلى التقصي وطرح التساؤلات، ويجب أن تتوفر لدى كاتبها حصيلة كبيرة من الثقافة والفكر والمعارف، وأن تكون لديه نظرة لعلاقته مع الأشياء من حوله، ولذا أتعجب ممن يكتبن الرواية في عمر المراهقة ويتباهين بذلك. وتساءلت النمر: ما هي الخبرات التي تحتويها رواية فتاة في مرحلة المراهقة، وما الفكر الذي تعبر عنه، وما التجارب المطروحة فيها؟ وأكملت: لو كانت الرواية خالية من فكر ووعي ونظرة، فلن تكون أكثر من خاطرة، وستكون عبارة عن لغة وبعض المفردات، وتخلو من الأزمنة والأمكنة والحبكة.
خواطر
وذكرت النمر أن ليس كل من صدرت لهن رواية يمكن تسميتهن بروائيات، لأن هذا اللقب أكبر بكثير من مجرد كتابة الخواطر.
وتطرقت النمر بحديثها إلى نقطة في غاية الأهمية، إذ ذكرت أن كثيرين يلجأون للرواية اعتقاداً منهم أنه يمكن إخفاء أخطائهم خلف عباءتها الفضفاضة، وعدم التزامها بوزن أو إيقاع كالشعر، وعدم حاجتها للتكثيف كالقصة. وقالت: هذه الفكرة خاطئة تماماً، إذ يجب أن يعلم هؤلاء أن الخطأ يظهر بسرعة في كل مجالات الأدب، ولا مجال للتخفي وراء الرواية. وأشادت النمر بإبداعات المرأة الإماراتية، لافتة إلى بروز بعض الأقلام الجميلة، ومؤكدة أن المستقبل يبشر بالخير، ولكن بشرط أن تمتلك الكاتبة الخبرة والنظرة والتأمل والهدوء.
تراكم خبرات
“تراكم الخبرات أمر جيد” بهذه العبارة بدأت الروائية مريم الزعابي حديثها، مشيرة إلى أن اندفاع المرأة نحو الرواية أمر إيجابي. وقالت: ليست كل الأقلام قوية، إلا أن ظهور دماء جديدة في مجال الرواية يصب في صالحها، فتراكم الخبرات، وتنوع المستويات يزيد وعي الكاتبات بالعمل القوي والفكرة المتميزة من غيرها، ما يثري خبراتهن، ويدفعهن لتقديم الأفضل والأغنى.
غزارة المطر
وقالت: نجحت المرأة الإماراتية في أن تعكس أفكار مجتمعها، وتتطرق لمجتمعات أخرى، وأن تنقل إحساسها بكل دقة، كما نجحت في أن تتحدث بلسان المرأة والرجل والطفل، فكانت غزيرة بإبداعها كالمطر.
وأشارت الزعابي إلى أن الرواية انتشرت بشكل كبير جداً في الإمارات ودول الخليج والوطن العربي، وأصبح القراء يبحثون عن الرواية أكثر من غيرها، وهذا ما زاد اندفاع الكاتبات نحو الرواية تحديداً.
كما أشادت بقدرة المرأة الإماراتية على أن تبدع في مجال الرواية أكثر من الرجل. وقالت: المرأة الإماراتية جريئة وتألقت روائيات كثيرات في هذا المجال، ذاع صيتهن ووصل إلى خارج الدولة.
“آخر نساء لنجة”، رواية نسجتها لولوة المنصوري من التاريخ المتخيل الذي استمدت منه الأحداث ممزوجة بعوالم الصبر والمحبة، لتطرح من خلال ذلك العديد من الأسئلة التي تجيب عن بعضها، وتترك الأخرى معلقة لفطنة القارئ. لولوة المنصوري كتبت الشعر من قبل، أشبعت روايتها بأجواء شعرية، لتنتقل من بعدها إلى عوالم القصة القصيرة، وهو ما يضفي على تجربتها قدرة على المرور بين الاشكال.
أهلت الرواية الأولى للكاتبة: ” آخر نساء لنجة”، لتكون واحدة من المرشحين لجائزة الشيخ زايد للكتاب “فرع المؤلف الشاب”.
طفولة تحتضن السرد
منذ نعومة أظفارها، وشغف الرواية يعتري الروائية دبي أبو الهول، التي بدأت مشوارها في عالم الكتابة وهي في الثالثة عشرة من عمرها، وشاركت أبو الهول في مهرجان طيران الإمارات للآداب في 2012 بكتابها »غالاغوليا« لتكون أصغر روائية تشارك في هذا المهرجان.
وفي الخيال العلمي كانت الرواية الأولى لأبو الهول، وكتبتها باللغة الإنجليزية، وقد اكتسبت مهارتها في الكتابة من شغفها بالقراءة، وإقبالها على قراءة الأدب الغربي منذ طفولتها، أما كتابتها لروايتها بالإنجليزية فهو لرؤيتها بأنه قد حان الوقت كي يقرأ الغرب من خلال أدبنا عن حياة وتاريخ مجتمعاتنا.
وفي أحد حواراتها أكدت دبي أبو الهول أن العمر مجرد رقم، وأن على الإنسان ألا ينتظر طموحاته لتتحقق، بل عليه أن يسابق الزمن لتحقيقها.
المرأة بطلة في رواية الرجل
على إيقاع البطولة، تعزف المرأة في روايات الرجل، فمنذ الرواية الأولى التي صدرت عام 1971، وكتبها راشد عبدالله النعيمي، وحملت عنوان» شاهندة« والمرأة حاضرة وبقوة، إذ روى الكاتب قصة حياة »شاهندة« تلك الفتاة التي حباها الله بجمال فاتن، وفي عمر السابعة عشرة اختطفها نخاس وباعها، لتتلقفها أيديٍ جائعة ذهبت ببراءتها، فتقرر الانتقام من كل أولئك الذين أهدروا براءتها دون استثناء، وبعد أن اشتد عودها، تثأر وتنتقم، إلا أن انتقامها يكون شديداً، لدرجة أنها تحولت إلى »مخربة بيوت«، فعاثت تخريباً بغرض الانتقام من مجتمع كانت ترى نفسها ضحية له.
وكانت لراشد عبدالله النعيمي الأسبقية في كتابة الرواية، وأصبحت ” شاهندة” ملمحاً هاماً في مسيرة الأدب الإماراتي الذي تبعته خطوات أخرى رسمت خط سير الرواية الإماراتية.
ملاذ المبدعة الآمن
يغلب على رواية المرأة الإماراتية الجانب الاجتماعي، ويعد هذا الجانب المنطقة الأكثر أماناً بالنسبة لها، ومن خلاله تعبر عن أفكارها وانفعالاتها، وتتسم رواية الأديبة الإماراتية بهدوئها ووداعتها، فالاحتجاج فيها سلسل لطيف، لا يصل إلى مرتبة التمرد والانقلاب على المجتمع، وظهر في أغلبها رفضها للرضوخ والتهميش والانكسار، لتتحول الرواية إلى أداة ترفض الأديبة من خلالها ظلم الرجل أولاً والمجتمع ثانياً والنظرة الدونية لها ثالثاً.
طريقة كتابة الرواية
الرواية هي : سرد لقصة طويلة تصف تفاصيل حياة شخصيات خيالية أو حقيقية وأحداث مرتبة بسياق معين على شكل تسلسل في أحداث الحياة، وهي تصف ما يحدث من حوارات وصراعات بين شخصياتها مروراً بالعقدة ومن ثم الحل لهذه العقدة. ولكتابة رواية ناجحة علينا أن نتبع خطوات مهمة بوعي وإرادة مثقفة منها:
أولاً هل الفكرة الأساسية تستحق أن تصبح رواية أم لا ؟ ثم نحدد نوع الرواية التي نريد كتابتها (اجتماعية، خيال علمي، سياسية، بوليسية، أو للأطفال ).
ونحدد أبطال الرواية ( الشخصيات) مع ابتكار الحياة الخاصة بهم، وأحلامهم وطموحاتهم .
وكذلك نحدد (الزمان والمكان) الخاصين بأحداث الرواية، والوسائل المستخدمة في سرد القصة بناءً العمل . وإذا كان محتوى الرواية غير منطقي أو يخلو من الحبكة أو عامل التشويق فإنه لن يقرأها أحد.
عند البدء في كتابة الرواية يجب أن نكتب ملخصها في حدود صفحة أو صفحتين ويجب أن يكون من البداية حتى نهاية الرواية، وذلك لجعل أفكارك أكثر تناسقاً وترتيباً. بعد إعداد الملخص يتم وضع الخطة التي نريد تسيير مجريات الرواية في إطارها؛ كتقسيم العمل إلى فصول وتحديد عدد الفصول مسبقاً وتسمية كل فصل من هذه الرواية. ونبدأ بالكتابة مستعينين بملخص القصة، سيراً على المخطط الموضوع مسبقاً، وعلينا أن لا نتوقف لكي لا تنقطع سلسلة أفكارنا. ولا حاجة للعجلة في إنهاء الرواية في غضون مدة معينة.
علي أبو الريش:نفتقد النقد الموضوعي
تعاني الرواية الإماراتية مشكلات عدة، يتمثل أولها في غياب النقد الأدبي، فكل عمل إبداعي يبقى بحاجة إلى التقييم الحقيقي الواعي البناء، الذي يضمن الاستمرارية والتحسين والتجويد في الأعمال التابعة، فالنقد الأدبي يوجه الكتاب ويفتح أعينهم على مسارات وتقنيات أوسع للكتابة، كما يربي الإبداع ويطوّره.
وفي أغلب حلقات النقاش الأدبية، نجد أن النقد الأدبي هاجس كبير يطارد أصحاب الأقلام المبدعة، الذين يحملون في دواخلهم همّ الكتابة ويسعون إلى تطويرها والارتقاء بها.
ورغم مرور أكثر من أربعين عاماً على ظهور الرواية الإماراتية، إلا أنها لا تزال تعاني مشكلات تتعلق بالبناء الفني والوعي بأدوات الكتابة الروائية.
ومن أبرز ملامح الرواية الإماراتية، أن كُتَّابها لا يمتلكون إنتاجاً غزيراً من الروايات، فأغلبهم لا يزيد رصيده عن رواية أو اثنتين، يُستثنى من ذلك الروائي علي أبو الريش، الذي يمتلك رصيداً كبيراً من حيث الكم والجودة.
“البيان” طرقت أبواب الروائي الإماراتي الأشهر علي أبو الريش، الذي يحفل رصيده بـ17 رواية، عن مشكلات الرواية الإماراتية تحدث أبو الريش، فقال: تفتقد روايتنا المحلية إلى النقد الموضوعي، وللأسف فهذه مصيبة كبرى، إذ إن النقد الموجود لدينا ليس علمياً ولا موضوعياً، بل مجرد انطباعات لا تقدم ولا تؤخر، ولكن هذا الغياب لن يحبط المبدعين طالما أن الإرادة موجودة في دواخلهم، ولن يلتفتوا إلى النقاد بل إلى قدراتهم الذاتية. وأشار أبو الريش إلى وجود نتاجات عالمية مذهلة، وساهم الانفتاح بين دول العالم إلى تلاقح الأفكار وتبادل الخبرات، ما أثمر عن وعي كبير لدى الروائيات الإماراتيات اللواتي نجحن في إبراز قدراتهن على خوض مجال الرواية وتقديم مادة أدبية تتفوق على ما يقدمه نظراؤهن من الرجال.
همّ وترف
وعن سبب اكتفاء روائيين كثيرين برواية واحدة أو اثنتين قال أبو الريش: هناك فرق كبير بين أن يكون العمل الإبداعي همّاً، وبين أن يكون ترفاً، فحين يكون هماً وهاجساً يصبح جزءاً من نسيج حياة الإنسان لا يستطيع التنفس والعيش بدونه، ما يثمر عن نتاجات متعددة وإصدارات متتالية، أما إذا كان ترفاً، فسيكتفي صاحبه بإصدار أول أو ثاني رواية، ومثل هؤلاء يكون غرضهم من وراء كتابة الرواية الحصول على الشهرة، ورغبة منهم في الحصول على لقب »روائي«، وهؤلاء لا يكون في دواخلهم وازع يدفعهم للاستمرارية في هذا المجال.
ضلع أعوج
وأكد أبو الريش أنه من الضروري الالتفات لتجارب المرأة الأديبة، لأن من حقها أن تحصل على حقوقها كاملة لا سيما بعد عقود من الزمن. وقال: كانت المرأة تُعامل دائماً على أنها الضلع الأعوج، وأصبح من الضروري جداً أن يستقيم هذا الضلع ويأخذ حقه كاملاً، ولذا فأقول لها استمري ولا تخشي العواقب، فأنتِ قادرة على الإبداع في هذا المجال، وقد تفوقتِ على الرجل فعلاً.
وذكر أبو الريش أن الرواية برلمان مفتوح، لافتاً إلى أن الظروف الحالية والانفتاح على الآخر جعلا الفضاء مفتوحاً للجميع للاتجاه نحو الرواية، مشيراً إلى أن المبدعات من النساء في مجال الأدب وجدن ضالتهن في الرواية ونجحن في البوح والتمرد على كل القيود التي كانت تكبل إبداعهن.
—-
البيان