علي عبيدات*
خاص ( ثقافات )
بندقية الطبيب وكتابه
صادفت يوم أمس الجمعة 9 أكتوبر 2015، الذكرى الثامنة والأربعون، لإعدام المناضل الثوري الذي كان اسمه يوم ولد في (14 يونيو 1928) “أرنستو لينش”وأصبح اسمه كفعله أكثر تأثيراً “تشي جيفارا”، ثوري وسيم ومحسوب على الماركسيّة بدمٍ أرجنتيني ومنشأ ثوري كوبي ، بدأ كاتباً ومثقفاً يقرأ لأعلام عصره، ولم يعرف أن من يقرأهم اليوم سيطلقون عليه الألقاب ويشهدون له، فقد قال فيه نيلسون مانديلا: إنه مصدر إلهام لكل إنسان يحلم بالحرية، أما سارتر فقد قال: جيفار ليس فقط مثقفاً بل هو أكمل إنسان في عصرنا، وغراهام غرين يرى جيفارا ممثلاً لقيم الشهامة والفروسية والمغامرة، وكذلك سوزان سونتاغ التي وصفت هدف جيفار بأنه ليس أقل من القضية الإنسانية نفسها، ولم تهدأ الأقلام وهي تصف هذا المناضل، الذي ترك شهادته في الطب وكُتبه واتجه فوراً إلى النضال على أرض الواقع.
الثائر بدراجته، والمناضل بفكره وفعله وصاحب الكاريزما الطاغية التي هيمّنت على عاطفة كل من قابله، صال وجال في كل مكان يقع فيه ظلم الإقطاع على الكادحين واستبداد الأنظمة السياسية على الشعوب، وكانت البداية بمعيّة أمير حرب العصابات فيديل كاسترو الذي وضع خطة ثورية للهجوم على كوبا من المكسيك عبر غرانما يوم 25 نوفمبر 1956 وفي ذلك الهجوم رمى جيفارا المعدات الطبية وحمل السلاح ليودع مهنة الطب ويستبدل لوازم الإسعافات الأولية ببندقية القول الفصل.
الأخضر الزيتوني المسافر
بدأ الثوري وقائد العصابات بلبس زيه الأخضر الزيتوني قاصداً كل مكان يقع فيه الظلم، في جولات حول العالم وعبر القارات حتى وصل إلى الجزائر ومصر حيث كرمه الراحل جمال عبد الناصر، وغزّة ليلتقي بالثوريين هناك، وكان جيفارا صاحب نزعة انفصالية عن الاتحاد السوفييتي محاولاً أن يجد وسائل نضالية تمكنه من عدم الاستناد المطلق على السوفييت، فهو من أكثر قادة العصابات تأملاً في أعمال كارل ماركس.
سافر جيفارا في كانون الأول 1964 إلى مدينة نيويورك على رأس الوفد الكوبي لإلقاء كلمة في الأمم المتحدة، وخلال كلمته الحماسية انتقد جيفارا عدم قدرة الأمم المتحدة على مواجهة السياسة الوحشية ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا قائلاً “ألا يمكن للأمم المتحدة أن تفعل شيئا لوقف هذا الأمر؟”، وشجب سياسة الولايات المتحدة تجاه السكان السود قائلا: أولئك الذين يقتلون أطفالهم ويميزون بينهم كل يوم بسبب لون بشرتهم، الذين سمحوا لقتلة السود بالبقاء أحرارا، وقاموا بحمايتهم، وإضافة إلى ذلك عاقبوا السود لأنهم طالبوا بحقوقهم المشروعة بالعيش كرجال أحرار، من هم أولئك الذين جعلوا من أنفسهم حراسا للحرية؟”.
وبين تفاصيل الحرب والنضال تزوج جيفارا مرتين وله 4 أبناء، وأصبح أباً لابنته البكر في 15 فبراير عام 1956 في مكسيكو سيتي، وسميت على اسم والدتها من زوجته الأولى هيلدا جاديا، أما زوجته الثانية اليدا مارك فقد أنجبت منه أربعة أطفال.
لم يتصور جيفارا أن اسمه وسيجاره وتسريحة شعره وصورته المليئة بالعنفوان والوسامة ستصبح سلعة تجارية تحتل أعلى أرقام المبيعات، حباً بهذا المناضل الذي خاطب أبعد مواطن الحرية القابعة في صدور الشباب الثوريين والحزبيين، ففي المساجد سترى طفلاً يلبس قميصاً برسم لـ”جيفارا”، رغم ماركسيّة جيفارا التي لم تنأ به بعيداً عن حب الإسلاميين والأحزاب العقائدية، فالحالة التي صنعها جيفارا تجاوزت المشارب الحزبية واختلاف الرؤى لأن الثورة عماد كيانه في شتى ضروبها.
أعلم أنك جئت لقتلي . اطلق النار يا جبان
“لا تطلقوا النار! أنا تشي جيفارا، وأساوي حيا أكثر من ميتا.” خرجت هذه الكلمات بكامل مهابة جيفارا وهو يقع في مصيّدة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بمساعدة القوات البوليفية، وتم أسره بعد إصابات متوسطة أوقعت به في فخ الأسر، واقتادوه إلى مدرسة مهجورة في قرية “لا هيغويرا” التي رفض أن يتم استجوابه فيها ولم يقدم أية معلومة تخص رفاقه لمدة يوم ونصف رغم نزيفه وحالته المروعة.
” أنا أعلم أنك جئت لقتلي .اطلق النار يا جبان انك لن تقتل سوى رجل”، هذا ما قاله جيفارا للجلاد الذي جاء لإعدامه قبل تنفيذ الإعدام بلحظات وقد رمى جيفارا بطلقات نارية عشوائية كان القاتل منها في الحلق والصدر، يوم 9 أكتوبر 1967. ونقلت الجثة من مكان إلى آخر حتى اختفت بشكل تام، ليكون جيفارا بلا قبر على الأرض وفي أفئدة ملايين الحالمين بالثورة، وأقيمت له العديد من النصب التذكارية في دول مختلفة.
وفي ذكرى رحيل جيفارا ينشر سياسيون وناشطون وحقوقيون على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الصحف شذرات من سيرة جيفارا وشعاراته التي يتغنى بها الثوريون حتى الآن، ومنها شعوب البلدان العربية التي تكابد الأنظمة الاستبدادية منذ سنوات وهي بين ثورات وهبّات اصلاحية وحروب، فمن سيكمل أغنية جيفارا الثورية بعده؟.
________
*شاعر وكاتب من الأردن
________
*شاعر وكاتب من الأردن