غصون رحال*
خاص ( ثقافات )
علم “دولة” فلسطين بألوانه الأبيض والأسود والأحمر والأخضر يرفرف في سماء الأمم المتحدة الملبدة بالسموم!
يحق لنا أن نبتهج، وأن نطلق وابلاً من الرصاص الحر الذي لا ينتهي إلى هدف، يحق لنا أن نطلق الزغاريد ونملأ الكون بشائر، أن نشعل السماء بمفرقعات الألعاب النارية، ونسد الطرقات المسدودة أصلاً “بمخاسيم” قوات الاحتلال. يحق لنا أن نبكي فرحاً أو ألماً، فهذا “الانتصار” هو حصيلة قرنين من النضال، وآلاف مؤلفة من الشهداء والصديقين، وخمسة حروب، وعشرين مذبحة!
ها هو علم “دولة” فلسطين ينضم إلى جوقة أعلام دول هذا العالم، إلا أنه ليس كسائر أعلام الدول التي حظيت بعضوية كاملة دون كثير عناء، وأخذ ورد، وهرج ومرج، ولغط مثير للغثيان، إنه علم يغرد خارج السرب، مثقل بقواعد القبول والرفض والامتناع، خاضع لحركات الشد والجذب، ومشاهد الحرد والاسترضاء المثيرة للغثيان، فثماني دول اعترضت على وجوده على رأسها إسرائيل وخليلتها أمريكا، وتحفظت على رفعه خمسة وأربعون دولة منها رأس الحية بريطانيا.
هو علم لا يشبه دولته، كونه يرمز إلى توق الشعب الفلسطيني إلى الحرية والاستقلال منذ تم رفعه عام 1917 كرمز للحركة الوطنية التي لا تعترف بالمعاهدات الهزيلة، واتفاقيات النسيق الأمني، وكتب التطمينات غير المطمئنة، وينتشي حد الثمالة بكل أشكال المقاومة، ويقدس راجمي الحجارة عامة والأطفال منهم خاصة.
هو قطعة واحدة كاملة متكاملة، زادته ألوانه التي ترمز إلى الخصب والدم والطهر والثأر، بهاء وأنفة. لا يقبل القسمة على اثنين ولا يفرط بأي خيط من خيوطه، لا يرتضي التجزئة إلى “كنتونات” ومناطق أ، ب، وج، لا تمزقه المستوطنات، لا تشقّة حواجز التفتيش إلى أشلاء، لا يحدُّه جدار ولا يفصله عن الله جدول زماني أو مكاني.
علم مستقيم كحد السيف، لا هو بالفصائليِّ ولا بالجهويِّ ولا بالطائفيِّ، لا هو بالعلماني ولا بالإسلامي، لا ذكوري ولا أنثوي، أبيض القلب من غير سوء، يكفن به الشهداء على اختلاف فصائلهم وانتماءاتهم ودياناتهم وأجناسهم، طيب السريرة نظيف اليد، لا يبدِّد أموال الكادحين، لا يحمل بطاقات VIP ولا ينحني لضغوط عربية أو إقليمية أو “رباعية”.
مثل هذ العلم لا يليق أن ترفعه شبه دولة لا زالت تتلمس حدودها ورقعة الجغرافيا المبهمة التي تمثلها في دهاليز القانون الدولي وسياسات الجذب والشد التي تبتكرها الدول الإمبريالية. دولة لا زال الاعتراف بها خاضعاً للألعاب البهلوانية التي تدور في كواليس مجلس الأمن الدولي.
علم كعلم فلسطين يرفع كل يوم عند كل أذان، مع كل صلاة، وفي كل زاوية، في سمائها وفوق كل شبر من أرضها بهامات أبنائها وبناتها من شهداء وأسرى ومرابطين وقابضين على الجمر وإن لم تعترف بهم وبنضالهم حظائر الأمم المتحدة.
لا يكفي أن يرفع أحدهم علماً ليكون له دولة، فرقعة هذا العلم أفسح من رقعة “دولته”.
* روائية أردنية.