مزايا الاغتراب.. من السفر إلى السياحة




“الاغتراب”، يعني في التعريف القاموسي أنه حالة من الانفعالات التي يحسّ بها مرء عند تغيير عاداته أو عند تغيير الأمكنة التي تحيط فيه. ويدل هذا المفهوم في أغلب الحالات على المشاعر التي ترافق التواجد في محيط مجهول بالنسبة للمعني به ويختلف عن محيطه الأصلي.
ومسألة «الاغتراب» هي موضوع كتاب «ناتالي رويلنس»، أستاذة الأدب المقارن في جامعة اللوكسمبورغ، حيث تشغل عضوية وحدة البحث الخاصّة بــ«الهويات والسياسات»، الذي يحمل عنوانا رئيسيا هو «مزايا الاغتراب» وعنوانا فرعيا مفاده «من السفر إلى السياحة».
تشير المؤلفة في مطلع كتابها أن العالم يعيش في الحقبة الحالية حالة ازدهار كبيرة لـ «صناعة السياحة»، الأمر الذي يدلّ عليه واقع أن العديد من البلدان تعتمد على هذه «الصناعة» كأحد مصادر دخلها الوطني الأساسية. وتشرح أن السياحة اليوم تجد جذورها في تلك الأسفار الكبرى التي تعود إلى عدّة قرون خلت وقام بها رحّالة خلّدت أسماءهم ذاكرة الإنسانية.
وإذا كانت المؤلفة تولي اهتمامها في هذا الكتاب لدراسة مفهوم «الاغتراب»، بمعنى الانتقال من المحيط المألوف والمعتاد إلى المحيط الجديد و«الغريب» بصورة عامّة، فإنها تكرّس القسم الأكبر منه لدراسة ظاهرة «السفر إلى الخارج، البعيد» كما مارسها الأوروبيون وكما تركت آثارها في أعمال الكثير من المبدعين الذين ينتمون إلى هذه القارّة.
وهي تعود في بحثها إلى بدايات القرن السادس عشر وما كتبه «مونتين»، احد الآباء المؤسسين للفكر والفلسفة في فرنسا، وصولا إلى الحقبة الراهنة ومرورا بأسماء لها شهرتها العالمية من أمثال ستندال ولامارتين والمركيز دو ساد ومارسيل بروست وروسّو وكُثر غيرهم.
هؤلاء مارسوا الأسفار كل على طريقته. وتضع المؤلفة كل «طريقة» في زمنها. هكذا ثمّن جان جاك روسّو في القرن الثامن عشر، عصر الأنوار، السفر من أجل ممارسة «التأمّل» وإيقاظ المشاعر التي يثيرها تأمّل الطبيعة «المتوحّشة» التي اعتبرها وسيلة لتنقية النفوس، كما شرحّ مطوّلا في عمله الشهير الذي يحمل عنوان «إيميل».
بالمقابل مارس ستندال في مطلع القرن التاسع السفر كعملية «اغتراب» بحثا عن لقاء الآخر مع إعطاء القليل من الأهميّة للأمكنة. وتجد «ناتالي رويلنس»، مؤلفة هذا الكتاب، الكثير من «المزايا» في السفر والتعرّف على ثقافات تختلف كثيرا عن ثقافاتنا.
ومما يجعل عملها يبدو وكأنه يصبّ مباشرة «في مديح الاغتراب». وتميّز المؤلفة في هذا العمل بين السفر إلى الخارج الذي يمكن أن ينتهي بتحرير نوع من :«نصّ في أدب الرحلات» وبين السياحة التي تستجيب بالأحرى إلى تلبية «المتعة اللحظية».
وفي حالة السفر، على غرار ذلك الذي قام به الرحّالة المشاهير مثل ماركو بولو وغيره، تتحدث المؤلفة عن «المسافر ــ القارئ». وفي جميع الحالات تشرح أن جميع الرحّالة وفي جميع الأزمنة والأمكنة كانوا «دعاة انفتاح» و«دعاة تعرّف ومعرفة». لكن الشرط الأساسي لتحقيق هذه الوعود في السفر والاغتراب تجدها المؤلفة في أنه «قبل أن يضع المسافر حقائبه في أي مكان ينبغي أن يعرف مكانه في الحياة».
——–
البيان

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *