النمنم : موقفي من الإسلام السياسي ثابت والتطرف “امتهن المرأة”


ياسر بهيج – منة الله الأبيض


لم يكن يتوقع توزيره، ولم يسع إلى كرسي “الثقافة”، على الرغم من أن اسمه كان ضمن القيادات الخمسة الذين تم ترشيحهم للوزارة، لكن التصفيات النهائية خلت منه؛ لتنحصر بين الدكتور محمد عفيفي، الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون السابق. 

لكن في النهاية وقعت المفاجأة؛ ليجد نفسه باختيار رئيس الوزراء الجديد المهندس شريف إسماعيل، ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة، وزيرًا للثقافة. وتتسارع وتيرة الأحداث، ليكتشف أن الخيال أصبح حقيقة، وهو يرى نفسه، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يحلف اليمين الدستورية في القصر الجمهوري. 
يعد الكاتب الصحفي حلمي النمنم، وزير الثقافة، أبرز من تولوا وزارة الثقافة من المنتمين إلى جماعة المثقفين، يجمع بين ولائه للأزهر، وعدائه للإسلام السياسي والوهابية السعودية، وعلمانيته الخالصة، التي يعبر عنها صراحة. 
“النمنم”، الوزير الأجرأ، يحاكي جابر عصفور في هجومه على السلفيين، ويناقضه في آرائه حول الأزهر، فهل سيكون مصير “النمنم” كسابقه “عصفور”؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة، بخاصة أنه بدأ أولى معاركه الثقافية مع “حزب النور” السلفي، الذي طالب بإقالته مبكرًا. 
استدعينا في “الحوارمعه ” تاريخه في محاربه الإسلام السياسي، وإظهار الوجه الحقيقي القبيح لجماعة “الإخوان المسلمون”، الذي يقوم على تحقيق حلم الخلافة، بقوة السلاح، وكتاباته في احترام الأزهر الشريف، كمؤسسة دينية عريقة، ودورها في تشكيل الوعي المجتمعي المصري طوال القرن الماضي، في تصوره، وفي الختام حرص النمنم على تأكيد توجهه الليبرالي الحر، الذي ينتصر للدولة المدنية، القائمة على حرية وتعدد الرأي، واحترام الاختلاف. 
بدأ “الحوار” بأن الرئاسة شددت في خطاب تكليف الحكومة الجديدة بالنسبة لــ”وزارة الثقافة”، على ضرورة إحداث تنمية ثقافية حقيقية، تصل إلى عموم الجمهور، لا تقصي ولا تتجنب أحدا، فأكد “النمنم” أنه مع التنمية الثقافية، وسيسعى جاهدًا لتحقيق هذا التكليف على أكمل وجه، فالتطوير لديه عملية مستمرة، تقوم بها كل قطاعات الثقافة، ولكل قطاع دوره الذي يشكل حلقة في عقد التنمية الثقافية. 
وينوى “النمنم” إعداد خطة تطوير تشمل قطاعات الوزارة بأكملها، بعيدة المدى، يُكمل فيها ما بدأه الوزير السابق د.عبد الواحد النبوي، ويضيف عليها، تبدأ بتفعيل “الثقافة الجماهيرية” في قصور ثقافة أقاصي الصعيد، والقرى والنجوع، نافيًا أيّة نية لإلغاء قطاع، أو دمج قطاع بآخر، بالإضافة إلى خطة لاكتشاف المواهب الجديدة، والكوادر الإدارية الشابة المثقفة، لتشكّل أمامه ثراءً، وتنوعًا في اختيار رؤساء للقطاعات، والهيئات، على أعلى مستوى من التأهيل. 
عندما أتى الدكتور عبد الواحد النبوي، في مارس الماضي، خلفًا للدكتور جابر عصفور، قام بحملة إقالات غير مباشرة سواء إنهاء ندب أو عدم التجديد لبعض من قيادات الوزارة، ومنهم: الدكتور محمد عفيفي، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور أحمد مجاهد، رئيس الهيئة العامة للكتاب، والدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، وغيرهم. وقد أعاد “النمنم” الأخير (د.أنور مغيث) إلى منصبه، ومن المقرر أن يعود لمكتبه بالمركز القومي للترجمة، اليوم الأحد، بعد أن تركه في يونيو الماضي. 
لكن هل سيخطو “النمنم” خطوات “النبوي” في إعادة قيادات الوزارة أو تغييرها؟ سألنا وزير الثقافة فأجاب بقوله: تغيير قيادات الوزارة أمر وارد، لكن التغيير لن يكون لمجرد التغيير فحسب، بل سيكون رهين الضرورة وخدمة المؤسسات الثقافية، مبررًا عودة الدكتور أنور مغيث إلى القومي للترجمة، خلفًا للدكتور شكري مجاهد، بأنها نابعة من الطفرة التي أحدثها بالمركز آنذاك، فكانت عودته أمرا ضرورريا لاستكمال ما بدأه. 
ومن أهم القضايا التي سيضعها “النمنم” في مقدمة أولوياته يأتي تطوير الخطابين، الثقافي والديني، باعتبارهما – من وجهة نظره – قضيتين تهمان المجتمع بأسره، لا تنفصلان، مُعرِّفًا تجديد الخطاب الديني، بأنه إظهار الوجه الإنساني السمح، والمعتدل للدين؛ وذلك لتفتيت الفكر المتطرف الإرهابي، الذي يحاول أن يتسرب بين ثنايا الوطن العربي. 
وعلى الرغم من أن طبيعة القضية دينية بحتة، فإن “النمنم” يعتقد أن القضية لا تخص مؤسسة الأزهر بمفردها، وإن كان عليها دور كبير ورئيس، بالإضافة إلى دور المؤسسات الثقافية والتربوية. 
وعن اقتراح بإمكان أن يستوعب الوسط الثقافي الليبرالي الفكر الديني المتشدد، بالحوار البنَّاء؛ للوصول إلى فكر وطني موحد، يخدم الدولة، ويجنبها الاٍرهاب، أكد الوزير أن الوسط الليبرالي الحر، الذي يؤمن بالحريات، وتقبل الرأي الآخر، يمكنه أن يقيم حوارًا فكريًا مع أي تيارات دينية، شريطة ألّا تتبنى تلك التيارات فكرة العنف، والإرهاب المسلح. 
وزاد “النمنم” بأن التخلص من الإرهاب الحالي، الذي يضرب أركان الدولة كل حين، لن يكون بالحوار الثقافي وحده، بل إن القضاء المبرم عليه يتطلب أيضًا تحركًا أمنيًّا. 
وحول رأيه في وجود حالة من الانفلات الأخلاقي لدى الشباب المصري في الفترة الأخيرة، مع تزايد وقائع التحرش كل عام، نفى “النمنم” لــ”بوابة الأهرام” وجود أي انفلات أخلاقي لدى الشباب، مفضِّلًا وصف ما يقع من حالات التحرش، بأنها مجرد ظواهر سلبية، في المجتمع المصري، لا ترقى لوصف “انفلات أخلاقي”، ولابد أن نعمل على الحد منها بإجراءات قانونية، وأمنية رادعة، وأخرى اجتماعية، وثقافية. 
وأكد – حسب قوله- أن عيدي الفطر والأضحى الماضيين، شهدا تراجعًا كبيرًا في ظاهرة التحرش، التي يراها مستجدة على الطابع المصري، بفضل ما قامت به الدولة من تشديد العقوبات، وإطلاق الشرطة النسائية، لكبح جماح كل من تسول له نفسه، العبث بالأنثى المصرية، أو إهانتها، متفائلًا بأن ذلك سيحد من الظاهرة، حتى تصل إلى العدم. 
ويرى “النمنم” أن القضاء على “التحرش”، يتطلب كذلك تطوير الخطاب الثقافي تجاه المرأة، بعد أن انتشرت في السنوات الماضية، ثقافة تُعرف بـ”ثقافة امتهان المرأة”، تلك الثقافة التي ابتدعتها التيارات الدينية المتطرفة، حسب رأيه، وصوّرت فيها المرأة بأنها مجرد “قطعة من اللحم”، يجب أن تظل مختبئة، وإلا من حق الجميع أن ينهشها. 
والحل – كما يتصوره – أن ترتفع النظرة إلى المرأة، ويتجرد المتطرفون من نظرتهم الدونية لها، كما تخلص الفكر الأوروبي من “عُقدة المرأة”، مُبشِّرًا بأن القادم أفضل للمرأة المصرية، بعد اختيار ثلاث وزيرات في التشكيل الوزاري الأخير، متنِّبئًا بأن المرأة إذا حظيت بهذا المعدل في المجتمع – آجلًا أم عاجلًا – ستختفي الظواهر السلبية، رويدًا رويدًا. 
وحول اقتراح آخر بإدخال مادة للأخلاق، في جميع الصفوف، والفرق الدراسية، بالمدارس والجامعات، كمحاولة لضبط الأخلاق، والوعي، لدى أجيالنا الجديدة، كشف الوزير الجديد عن أن الوزارة – بالفعل – بصدد تفعيل بروتوكول التعاون الموقع بينها، ووزارة التربية والتعليم، بشأن إدخال مادة للأخلاق، في المناهج التعليمية بمراحلها، لزرع احترام، وتقدير المرأة في نفوس النشء. 
وبالنسبة لاتخاذ البعض مواقف الأزهر الأخيرة، تجاه داعش وتحريم تجسيد الأنبياء، ذريعة للهجوم عليه، وبخاصة قضية رفض الأزهر تكفير تنظيم داعش الإرهابي، إذ رأى معارضون أن الأزهر كان يتوجب عليه أن يتخذ موقفًا حاسمًا واضحًا تجاه رجال التنظيم الإرهابي، الذين يعيثون في الأرض فسادًا ويقتلون الأبرياء، تحت شعار “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، لنفي انتسابهم، أمام الغرب على الأقل، للإسلام السمح، الذي يعلى الأخلاق والسلام في الأرض، ويؤكد أن انتسابهم لهذا الدين الحنيف، ماهو إلَّا انتساب زور..، بشأن ذلك، كان لــ “النمنم” رأي آخر، فقد دافع عن مبدأ الأزهر في رفض تكفير تنظيم داعش الإرهابي، بحجة أن الأزمة ليست في مسمى، أو تصنيف “داعش”، سواء اعتبروا كفارًا أو مسلمين، وإنما الأزمة في أنهم تنظيم إرهابي يجب أن نحاربهم، ونواجههم بالفكر، والسلاح، إن استلزم الأمر. 
———-
بوابة الاهرام

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *