أدونيس يواجه ثنائيات ريمارك



علي عبيدات*



خاص ( ثقافات )

بين إشكاليَّتين


علي أحمد سعيد.. هذا الاسم الإشكالي الذي تركه صاحبه وانتقى أدونيس بديلاً عنه، هرباً من وثنيَّة الأسماء وتقرباً من كيَّانٍ مستقلٍّ ليس له امتداد، وهو الرابض على تلةٍ من الخصوصية منُذ أن دخل إلى عالم الشعر والتراث وفق رؤيته لما حُتِم ثباته وتقوْلب متغيرُّه، ضارباً بعرض الحائط وثنيات النقل وسطوة الغيب في كيانٍ شعريٍّ مستقل أٌفرِدَت له سمات الخصوصية الصرفة، وتغيرات شتى بين السواد والبياض بالاستناد على رتمٍ خاص تلاعب أدونيس بإيقاعه على طريقته الخاصة.

أدونيس القائل: “مات الكوفيون ومات البصريون وفي أنفسهم شيء من حتى”، صاحب مواقف من الحداثة ومؤلب أوار النيران التي تمنى عليها أن تلتهم الكثير من كتب التاريخ، ويحاول قدر الإمكان أن يكون حداثياً مختلفاً على نهج أعلام الأدب العربي وشيخيه “أبو تمام وأبو نواس”، وأمسى اليوم إشكالياً يكاد أن يطمس إشكالياته القديمة التي امتدت منذ خمسينيات القرن الماضي حتى اليوم وجعلت منه أدونيساً، خصوصاً أنه ابتعد عن المؤسسة الدينية وسبر أعماق النقل والماوراء واقترب من السياسة التي لم يسجل تاريخ أدونيس الكثير من الانسجام معها كما يتماهى اليوم.

وبين اهتمامات أدونيس الأخيرة ثمة موقف أغضب الكثيرين، تلخص في تأييده للنظام السوري بينما تعصف العواصف في سوريا بلد أدونيس الأم، الأمر الذي جعل أدونيس إشكالياً صرفاً من منظور واحد، وهو دعمه لرئيس عربي ولو كان هذا على حساب مسح تاريخ أدونيس الفكري والثقافي، وجاء صدى نيل أدونيس لجائزة ريمارك بمثابة مكثة على أدونيس أن يتوقف أمامها مطولاً للتفكُّر والدرس، فثمة ردة فعل ليست بالهينة من قبل المختلفين مع أدونيس على موقفه السياسي الأخير، وقد استهجنوا ورفضوا أن يكون أدونيس مرشحاً لها، فهل يقف أدونيس اليوم في ملعب المواقف ليلعب مباراة اعتزاله ثابتاً على موقفه الذي أغضب الكثيرين؟

بين موقفين

اتفق المختلفون مع أدونيس على أن طمس تاريخه أكثر من مستحيل، فهو من رواد الشعر العربي المعاصر وصاحب إسهامات أدبية وفكرية لا يمكن إنكارها، لكنهم بنفس الوقت طالبوا بطريقة أو بأخرى أن يبقى أدونيس كما هو دون أن يحظى بأي تكريم جديد، كعقوبة ضمنيَّة ابتُليَ بها أدونيس بسبب غضب أغلب الوسط الثقافي العربي من موقفه الأخير الذي يلخَّص في قوله: “إن الرئيس بشار الأسد قادر على الإصلاحات”.

وحول هذا نقلت صحيفة “السفير” اللبنانية عن أدونيس قوله إنه لا يتفهم أن البعض يطلق على السوريين “شعب الثورة” وقد هاجر عن سوريا نحو ثلث سكانها. وبيت القصيد أن مدينة أوزنابروك قررت منح أدونيس جائزة إريش-ماريا-ريماك، وقد اعتبر جزء من السوريين يوم إعلان هذا “يوماً أسود”، كما يقول محرر DW أحمد حسو، الذي يقول إن أدونيس لم يبد أي تضامن مع مواطنيه حتى بعد خمسة أعوام من الحرب.

أما نافيد كرماني الحائز على جائزة السلام لاتحاد الكتاب الألماني، فقد رفض الكاتب من أصل إيراني إلقاء كلمة تكريم لأدونيس في حفل تسليم الجائزة في أوسنابروك في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. ويقول كرماني في مقابلة مع صحيفة “كولنر شتات أنتسايغر” الألمانية “إنه على الرغم من تقديره لأعمال أدونيس الأدبية، لكنه ينتقد في الوقت ذاته تجاهله للوحشية التي يتعامل بها النظام في دمشق مع شعبه.

تقول مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن أكثر من 11 مليون سوري نزحوا عن سكناهم، كما سقط نحو 250 ألف شخص في الحرب الأهلية الدائرة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، وتقول إدارة مدينة أوسنابروك رداً على هذه الانتقادات إن لجنة الحكام كانت على معرفة بإمكانية أن يثير قرارها منح أدونيس الجائزة الكثير من الجدل. وأضافت في بيان سابق لها: “لكن تكريم أدونيس كان يهدف أيضاً إلى تسليط الضوء على إشكاليات النزاع السوري بشكل معمَّق وعلى إمكانيات حله، وقضية مسؤولية وتأثير دول أخرى فيه”. ويقف أدونيس هنا بين قولين وموقفين.


بين سببين:

تقدر قيمة جائزة “إريش-ماريا-ريماك” للسلام بنحو 28 ألف دولار، وهي تحمل تحمل اسم الأديب الألماني الراحل إيريك ماريا ريمارك المعروف برواياته حول السلام وتجسيد فظائع الحروب والديكتاتوريات، ويرى مؤيدو منح الجائزة لأدونيس أن الجائزة حينما ينالها سوري فهذا كفيل بأن تضع الأزمة السورية تحت مجهر العالم وكل موازين القوى للوصول إلى حل، وهي أرضيَّة صلبة لجلوس أهل الحل والعقد في العالم لمناقشة الملف السوري بذهن سوري دون تدخلات أجنبية، كما أن أدونيس من أعلى الأصوات العربية التي نادت بفصل الدين عن السياسة ويحسب له هذا أمام الرأي العالمي والعربي المؤمن برؤيته، وكان دفاع أدونيس عن حقوق المرأة والسعي إلى مجتمعات مستنيرة ظهر أدونيس المتين لنيل الجوائز العالمية.

وعلى النقيض، دخلت إشكالية المثقف والسلطة وتعاطف الكاتب مع الأنظمة الحاكمة، فيرى منتقدو أدونيس أنه لم يكن ثورياً على صعيد السلطة كما كان نزقاً أمام الدين والتراث، ولم يقدم حلولاً شافية تليق بقامة فكرية وتنم عن وعي كوني عرف به أدونيس في مسيرته الفكرية الطويلة، كما غض الطرف عن الموت المجاني الذي يتربص لشعبه وفتك بالكثير منه، ولم يكن من الداعمين حتى معنوياً للاجئين السوريين في كل مكان، لا سيما في ألمانيا التي تحتفي بأدونيس.

وبدأت منذ أيام مرحلة العرائض وجمع التواقيع التي بدأ بها نشطاء ومثقفون سوريون وألمان، وقدمت إلى جمعية “إيرش ماريا ريمارك” احتجاجاً على منح الجمعية جائزة ريمارك للسلام عن مدينة “أوزنابروك” في ألمانيا، مطالبين بسحب ترشيح أدونيس لهذه الجائزة، ليكون أدونيس بين ثنائيات لا تنتهي، فهو الثائر الموالي، والحقوقي الذي أدار وجهه عن مجازر إنسانية، والشاعر الفحل الذي نأى بقصيدته عن رعب الموت في كل مكان، فهل سيكرم أدونيس على أساس أرشيفه الإبداعي الذي لا ينكره أحد أم لغاية في نفس المكّرِمين ونكايةً بمعارضي أدونيس؟

*شاعر ومترجم من الأردن.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *