“هيكل” دعاه مستشرق مجري إلى “منزل الوحي” فرأى “نور الله”


محمد فايز جاد


لم يكن تفكير الأديب محمد حسين هيكل، صاحب الرواية العربية الأشهر “زينب”، في السفر للحجاز يتجاوز الرغبة في التأريخ للمكان الذي شهد ولادة الإسلام، ودارت على أرضه خطوب صقلت هذا الدين الوليد وشحذته حتى جاوز الجزيرة، واخترق أقطار العالم، حتى استقر بصدور مئات الملايين، في كل بلدان العالم من مشرقها إلى مغربها.
كانت هذه فكرة هيكل، الذي سافر قبل ذلك إلى باريس لثلاث سنوات، وكان لها ما يبررها، حتى جاء التغيير، وجاء التغيير من بودابست.
فبينما يدير هيكل مؤشر المذياع، التقط مذياعه محطة “بودابست” المجرية، وكان أول ما سمعه في هذه المحطة صوت المستشرق المجري جرمانوس، الذي اعتنق الإسلام، يقول: “وسط هذه الجموع الحاشدة حول الكعبة جعلت أسمع: الله أكبر، الله أكبر، فلما انتهيت من الطواف ذهبت أسعى بين ربوتي الصفا والمروة”.
وجرمانوس كان قد أعلن إسلامه حديثا، آنذاك، وسافر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وعاد منبهرا بالدفعة الروحية التي وهبته إياها الشعائر المقدسة، ليترجم تلك الدهشة، وذلك الانبهار، إلى كتاب كتبه باللغة المجرية تحت عنوان “الله أكبر” يصف فيه الأثر الذي تركته فيه زيارته لبيت الله الحرام.
كان إذن هذا المستشرق المجري هو الدافع الذي ألقى بالغيرة في قلب هيكل، المسلم منذ الولادة، ودفعه إلى العزم على القيام بما تأخر عنه كثيرا.
يقول هيكل لنفسه إذ استثاره سبق المجري له: “أيكون هذا الأستاذ الأوروبي الحديث العهد بالإسلام أصدق عزماً مني في زيارة الأماكن الإسلامية المقدسة؟”.
وبالفعل في العام 1936 سافر هيكل إلى الأراضي المقدسة، وكما كان متوقعا فإن هيكل في رحلته غلبت عليه نزعته إلى التأريخ، ورغبته في التأمل والاستقصاء والتسجيل، حتى إذا بلغ الكعبة جرفه تيار الرحلة الروحي، ووجد نفسه فجأة ضمن الجموع التي تطوف ببيت الله الحرام.

يقول هيكل: حتى إذا بلغت الكعبة اندمجت في المسنين الذين يطوفون بها وهم مثلي في ملابس الإحرام وأعلنتُ نية الطواف ببيت الله المكرم سبعة أشواط طواف العمرة. واندفعت أستغفر وأطلب إلى الله الهداية، وأتممتُ الأشواط السبعة وأنا أكبِّر الله وأحمده وأستغفره، وأنا مأخوذ بجلال هذا البيت العتيق ممتلئ النفس خشوعًا، يفيض قلبي إيمانا بالله الذي جمع في هذه البقعة الضيقة من الأرض كل هذا الجلال وكل هذه المهابة.
عاد هيكل من الأراضي المقدسة مختلفا عن ذي قبل، وقد تركت الرحلة في نفسه أثرا أبى إلا أن يسجله، وقد سجله في كتابه “منزل الوحي” الذي ترك لنا فيه انطباعاته عن الرحلة، وعن الحجاز نفسه بما طرأ عليه من تغير، وعن نفسه التي بهرها نور منزل الوحي.
في ختام كتابه، يقول هيكل معلنا ما جاش بصدره جراء رحلته: رأيت نور الله ماثلاً في كل دقيق وجليل من خلقه. ورأيت سنته في الكون تتبدى لكل من أخلص إلى الحق وجهه ثابتة لا تبديل لها. رأيت كل هذا رأي العين.
بوابة الأهرام

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *