الجامع الأموي في حلب.. معمار يندثر وتاريخ يضيع





الجامع الأموي بحلب، أكبر المساجد وأقدمها في مدينة حلب السورية، وهو أحد مواقع التراث العالمي، بُني في بداية القرن الثامن الهجري، في موقع معبد روماني سابق، وكاتدرائية بيزنطية بُنيت من قِبَل سانت هيلين (والدة قسطنطين الكبير)، وتمّ تشييد مئذنة المسجد ذات الطراز المعماري الفريد عام 1090، وتمّ تدمير المئذنة وجزء كبير من المسجد في إبريل 2013 بسبب الحرب الأهلية السورية.
كما تمّ بناء مسجد حلب الكبير خلال حقبة الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك عام 715، بعد أن طلب المسلمون شراء حديقة كنيسة مهجورة وكذلك قطعة أرض من مقبرة قديمة لبناء الجامع الكبير، واستمر العمل في المسجد عامين وانتهى تشييده في عهد الخليفة سليمان بن عبدالملك في عام 717. وفي النصف الثاني من القرن الحادي عشر الميلادي تمّ بناء نافورة على شكل قبة في باحة المسجد.
وفي الركن الشمالي الغربي من المسجد تمّ تشييد مئذنة عالية يصل طولها إلى 45 متراً، كما تمّ ترميم المسجد وتوسيعه من قِبَل السلطان نورالدين زنكي في 1159، لكن مع دخول المغول إلى حلب في عام 1260 قاموا بإحراق المسجد وتدميره.
وخلال مراحل التاريخ خضع مسجد حلب لتعديلات وتغييرات متعاقبة، بسبب الحروب أو الزلازل الطبيعية، وكانت الكارثة الأولى عند وصول العباسيين الذين أعمتهم عداوتهم ضد الأمويين، حيث سعوا إلى الانتقام من الأمويين من خلال هدم تراثهم، حيث خربوا المسجد وأخذوا المنحوتات والفسيفساء والأعمال الفنية الأخرى ونقلوها إلى مساجد العراق، وأيضاً عندما احتل الإمبراطور نيسفوروس البيزنطي حلب في 962 قام بموجة من الدمار على المدينة وحرق المسجد.
وعندما وضعت نهاية الاحتلال البيزنطي تحت قيادة الأمير سيف الدولة الحمداني، استعادت حلب ازدهارها لتصبح العاصمة السياسية للبلاد، ومركزاً ثقافياً مهماً لاثنين من الشعراء، هما: أبوالطيب المتنبي وأبوفراس الحمداني.
وخلال حقبة المماليك (1260 – 1516) تمّ إدخال إصلاحات وتعديلات على المسجد، وتمّت إعادة تشييده وتزيينه بالنقوش والزخارف الإسلامية والحلي المنمق والمقرنصات، كما تمّ بناء محراب يشير إلى اتجاه قبلة مكة المكرمة. وفي عام 1285 أمر السلطان الناصر محمد بن قلاوون بتشييد المنبر الجديد أو ما يُطلق عليه منبر الواعظ.
كما تمّ بناء فناء واسع من الرخام حول المسجد الكبير يربط بين العديد من المناطق المتمركزة خلف رواق المسجد، ويمتاز الفناء باللون الأبيض، وبه ترتيبات هندسية معقدة. ويحتوي المسجد على «الحرم»، ويتكوّن من قاعة الصلاة الرئيسية، ومرقد النبي زكريا (عليه السلام)، ومنبر يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، ويحتوي المدخل المركزي على نقش ينسب إلى السلطان العثماني مراد الثالث، فضلاً عن قاعة بها 18 من الأعمدة المربعة.
وهناك أيضاً ثلاث قاعات «الشرقية والشمالية والغربية»، وتعود القاعة الشرقية إلى فترة مالك شاه الذي حكم في الفترة (1072 – 1092)، كما تمّ تجديد القاعة الشمالية خلال عهد السلطان المملوكي برقوق الذي حكم في الفترة (1382 – 1399)، في حين تمّ إنشاء القاعة الغربية خلال العصر الحديث.
وكان المسجد الأموي بحلب يمتاز بمئذنة فريدة من نوعها من العمارة الإسلامية، ووصف عالم الآثار إرنست هرتسفلد النمط المعماري للمئذنة بأنه نتاج حضارة البحر المتوسط. وفي 13 أكتوبر 2012 تضرّر المسجد بشكل كبير بسبب الحرب الدائرة في سوريا، بين المجموعات المسلحة التابعة للجيش السوري الحر وقوات الجيش السوري، ومن خلال ذلك أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً رئاسياً بتشكيل لجنة لإصلاح المسجد والانتهاء منه بحلول نهاية عام 2013، لكن المعارضة المسلحة سيطرت على المسجد في أوائل عام 2013، وابتداء من إبريل 2013 أصبح الجامع الأموي ساحة للقتال العنيف بين الأطراف المتنازعة في سوريا.
وفي 24 إبريل 2013 هُدمت مئذنة المسجد وتحوّلت إلى ركام، خلال تبادل لإطلاق النار بالأسلحة الثقيلة بين القوات الحكومية والمعارضة المسلحة، وتبادل طرفي الأزمة الاتهامات حول هدم المئذنة، فالنظام السوري اتهم جبهة النصرة بتفجير المئذنة لتأليب الإسلاميين على النظام السوري بأنه يحارب الإسلام، بينما قالت المعارضة إن المئذنة دُمرت بنيران دبابة تابعة للجيش السوري، وخرجت دوائر حماية التراث العالمي تدين هدم مئذنة المسجد ووصفت العمل بأنه عار لن يُمحى وجريمة ضد الحضارة الإنسانية.
وكالة الصحافة العربية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *