*هنا عليان
فيما يُركّز العالم أنظاره على مأساة اللاجئين السوريين الهاربين إلى أوروبا بحثاً عن ملاذ آمن، صدرت رواية الكندي لورنس هيل التي طال انتظارها: «اللا شرعي».
قبل خمس سنوات، بدأ الكاتب الكندي العمل على رواية جديدة مستوحاة من قصص نجاة للاجئين غير شرعيين من مختلف أنحاء العالم. لكنه على الأرجح لم يتوقع أن تصدر روايته (دار هاربر كولينز) في وقت تتصدر أزمة اللاجئين عناوين الأخبار العالمية.
تتمحور رواية هيل حول عدّاء شاب يدعى كايتا علي، يتحدر من دولة قمعية، فيقرر الهرب بحراً إلى دولة ديموقراطية غنية مجاورة، لكنه يعاني الكثير لينطلق مجدداً في حياته، ويبقى هاجسه الأول أن يتم ترحيله قسراً.
«لدينا مشكلة في تخيل حياة اللاجئين ومعاناتهم. قد نرى صوراً لهم، ولكن من المهم أن نتذكر أن لكل منهم قصة، أماً وأباً وربما أطفالاً وأحباء، لكل منهم طموحات ومهارات. هناك أطباء ومهندسون ومحامون ومهنيون، هناك أشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية»، يقول هيل في معرض حديثه عن الهدف من روايته، متابعاً: «في كندا والولايات المتحدة ومختلف الدول الكبرى، يعيش الملايين من اللاجئين مع علامات استفهام كبيرة، هل سيتم ترحيلهم أو محاكمتهم؟ كيف ستكون حياتهم في الدول الغنية، هل سيكون بمقدورهم الاستمرار مع كل ما يواجهونه من صعاب؟.. هذه الأسئلة تحولت إلى شغلي الشاغل ومصدر إلهامي أثناء كتابة «اللاشرعي». من المؤسف أن يشعر اللاجئ أنه ليس مواطناً في الدولة التي هرب إليها، فيما لا يستطيع العودة إلى بلده الأم مخافة التعرض للقتل، وبالتالي أصبح بلا وطن».
اختار هيل جزيرتين وهميتين: «زانتورو لاند» و»دولة الحرية»، موقعين متناقضين لروايته، ربما لأنه أراد التأكيد أن معاناة اللاجئين عالمية وليست محصورة بمنطقة أو دولة واحدة.
يهرب كايتا علي من «زانتورو لاند» إثر انقلاب عسكري، ومقتل والده الصحافي على يد السلطات بعد اتهامه بأنه «ناشط منشق». على متن قارب يغص باللاجئين، يصل كايتا إلى منطقة وسطية «أفريك تاون»، ومنها يحالفه الحظ مع قلة من رفاقه لدخول «دولة الحرية»؛ حيث تبدأ معاناة من نوع آخر.
في تلك الدولة الغنية، يجد العداء الماراتوني كايتا علي أنه مضطر للركض من أجل البقاء على قيد الحياة. مدفوعاً بأحلامه وطموحاته، يتمكن كايتا من تحقيق مكانة بارزة بين العدائين، لكن السلطات سرعان ما تكتشف أنه لاجئ غير شرعي، فتبدأ بملاحقته.
الركض هو الثيمة المركزية في الرواية، حقيقة ومجازاً. في «دولة الحرية»، قد تمنحه موهبته في الركض الامتيازات والقوة، كما يحُتمل أن تكون تذكرته للحصول على الجنسية بوصفه عضواً في الفريق الأولمبي. ولكن ما أن يتبين أنه غير شرعي حتى يصبح محكوماً بالسجن أو النفي. فجأة يتم تجريده من هويته، يصبح مجرد رقم، لم يعد إنساناً.
يضطر اللاجئ الشاب إلى الاختباء لتجنب الترحيل وحكم الموت الذي ينتظره، لا سيما بعد اعتقال شقيقته في «زانتورو لاند». يتنقل من مكان إلى آخر كالمجرمين المطلوبين للعدالة، ويظهر فقط في السباقات المحلية حيث يفوز دوماً، مما يمنحه الأمل، فضلاً عن جوائز مالية تمكنه من الاستمرار.
وعلى رغم محاولاته، لا يجد من يساعده سوى صحافية من أصل أفريقي، فيولا هيل، تقرر إيصال صوته وقصته متخطية كل الصعاب، بما فيها كرسيها المدولب.
ينطلق الفصل الأول في الرواية من العام 2018، حيث يركض كايتا علي في سباق ماراثوني ضد خصم يكيل له الشتائم العرقية ويطالبه بالعودة من حيث أتى. لا يركض فقط من أجل الفوز، يركض هرباً من الترحيل، من الشرطة التي تلاحقه، من مواطني «دولة الحرية» الذين يطالبون السلطات بإعادته إلى بلده.
ما لا يعرفه هؤلاء أن دولتهم التي تمتلك ثالث أغنى اقتصاد في العالم، بنيت وازدهرت على أكتاف العبيد الذين أجبروا على القدوم من «زانتورو لاند». على مدى عقدين من الزمن، استعمرت «دولة الحرية» جارتها الفقيرة وسخرّت مواطنيها. لكنّ هذه الحقبة من التاريخ أصبحت منسية تماماً، وبات كل وافد من «زانتورو لاند» دخيلاً يجب طرده مهما كان المصير الذي ينتظره. يعتقد الأغنياء أنهم وحدهم استحقوا ثراءهم أياً يكن مصدره، ببساطة يحررون أنفسهم من تبعات الدمار الذي أحدثوه قبيل صعودهم إلى القمة.
قد تكون «دولة الحرية» من محض الخيال، لكنها بلا شك تمثل الكثير من الدول الديموقراطية الغنية، التي استفادت اقتصادياً من انعدام الإنصاف العالمي وتركز الثروات في مناطق دون الأخرى، فنمت وتطورت وأصبحت تخشى استقبال «الآخرين» المتدفقين إليها من مناطق أقل حظاً وأمناً. وهنا يتساءل هيل: «ما هو العائق الأكبر أمام ازدهار بلداننا؟ هل هو دمج المهمشين واللاجئين غير الشرعيين والاستفادة من مهاراتهم وطموحاتهم مقابل منحهم فرصاً أفضل للحياة، أم التضحية بأبسط حقوق الإنسان بذريعة الحفاظ على الأمن؟»…
في معرض حديثه عن موجات الهجرة الراهنة، ينتقد هيل وعود كندا باستقبال 10 آلاف لاجئ سوري بحلول العام 2017، معتبراً أنهم «لو كانوا قادمين من فرنسا أو بريطانيا لكنا استقبلناهم جميعاً في غضون أسابيع. نحن أمة غنية لدينا المتسع من المساحة والقدرة على استقبال عدد أكبر بكثير من اللاجئين مما نفعل».
يذكر أن رواية «اللاشرعي» تأتي بعد ثمانية أعوام من صدور رواية لورنس هيل الثالثة «كتاب الزنوج» التي تعد إحدى أكثر الروايات الكندية نجاحاً ومبيعاً، والتي فازت بجوائز لا تحصى، وكرست هيل أحد أبرز الكتاب الكنديين المعاصرين.
________
*المصدر: الحياة.