عبد الستار ناجي
في واحد من أهم أعمال 2015، يأتي فيلم حصاد الميسيسبي، ليتجاوز كل أفلام القمار الشهيرة من حيث المضامين.
وقبل كل هذا، يوجد في الفيلم تجاوز لحالة الوهم التي تزرعها السينما وتروج لها على أن القمار هو السبيل للثراء السريع.
فيلم محبوك ومكتوب بعناية فائقة يعتمد التحليل النفسي والاستقصاء الدقيق، بالذات فيما يخص المقامرين، الذين يظلون دائماً يعيشون حلم الفوز وتعويض كل الخسائر التي تراكمت على مدى سنوات طوال.
حصاد الميسيسبي أو طحن الميسيسبي يأخذنا إلى حكاية جيري، الممثل الأسترالي المتميز بن مندلسون، الذي يعاني من الحظ العاثر والخسائر المتكررة والديون التي راحت تقيده نتيجة مقامرة مستمرة التهمت كل ما يمتلك.
وعلى حين صدفة، يلتقى بشاب وسيم هو كيرتس، ريان رونالدز، الذي لا يكف عن الربح ولا يهتم للمال، عندها يدعوه لتشكيل ثنائي والقيام برحلة إلى الجنوب حيث كبريات الكازينوهات المخصصة للقمار بالذات في نيو أورليانز ولويزيانا، لتعويض خسائره وتعويض ديونه التي كبلت عنقه.
الفيلم صادق ولا يأخذ الجمهور حول العالم إلى أحلام كاذبة ووهم الفوز والثراء وحصاد الملايين. فيلم صادم، وقاسٍ لكنه واقعي يذهب إلى أعماق الشخصيات؛ لنكتشف أن هناك شيئاً أهم من الفوز بالأحلام الكاذبة ونقود الكازينوهات وصالات القمار. إنها الصداقة التي راحت تتطور وتتعمق خلال تلك الرحلة التي كلما حصد خلالها كيرتس الفوز أهدر جيري كل شيء ضمن وهم الفوز وأيضاً الحظ السيئ.
فهو رغم حظة العاثر حصل على صديق رائع وقف إلى جواره وحاول أن يتجاوز معه أوهامه بالفوز والربح والثراء، وأيضاً تمكن من لقاء زوجته السابقة وعودة الحياة بينهما، وحينما يحسب معايير الربح والخسارة يكتشف بأنه ربح الكثير نفسياً وأسرياً واجتماعياً، حتى وإن ظل يخسر على طاولات القمار، حيث لا رابح مطلقاً على تلك الطاولات الخضر.
أداء تمثيلي رفيع المستوى للنجم الأسترالي بن مندلسون الذي يدهشنا في تقديم تحولات شخصية مدمن القمار، ويقدم إحداثيات الشخصية باحترافية عالية، وأمامه ريان رونالدز في أفضل أدواره بعيداً عن العضلات والمغامرات.
طحن الميسيسبي واحد من أفضل الأعمال السينمائية التي تتناول موضوع القمار وإدمانه. فيلم لا يلهو بعواطفنا ولا يدلس ولا يذهب بنا إلى حلم مزيف أرعن هو الدمار والانتحار البطيء كما في التجربة الأخيرة لفيلم “المقامر” لمارك والبرغ.
خلف هذا العمل السيناريست آنا بودين ومعها المخرج ريان فليك الذي يعود للسينما بعد سنوات طويلة قضاها في العمل التلفزيوني.
العربية نت