خاص ( ثقافات )
صدرت مؤخرًا عن دار آفاق للنشر والتوزيع رواية “الإخوة الأعداء” للروائي اليوناني الكبير نيكوس كازنتزاكيس، بترجمة المفكر الراحل إسماعيل المهدوي والرواية. وتروي أحداث فتنة داخلية في قرية كاستللوس اليونانية خلال الحرب الأهلية في أواخر الأربعينيات من القرن التاسع عشر.
في تلك الحقبة كثير من القرويين، بمن فيهم الكابتن دراكوس ابن قسيس القرية ياباروس، انضموا إلى المتمردين (الأنصار) الذين اتخذوا من “قمة النسور” في أعلى الجبل منطلقاً للانقضاض على القرى اليونانية التي كان يحميها الجنود بقيادة القائد الأعلى ديمتروس ليفاس.
وبين الأنصار والجنود الوطنيين يقف الأب ياناروس لا يعرف إلى أي الفريقين ينحاز. ثم في النهاية يقرر بعد كثير من المذابح والموت والدمار في كل مكان؛ يقرر بعد أن وجد نفسه يحمل على كتفيه – وكتفيه وحده – خطايا العالم أجمع.
وهكذا نجد في الحروب والثورات دومًا أن لدينا أطرافا ثابتة تضحي وتدفع الثمن، ولدينا طرق مفتوحة للاختيارات المصيرية.
في “الإخوة العداء” ـ كما في الواقع ـ أمامنا “القومندان” وعساكره، ورجال الدين، والثوري الذي يبحث عن معنى العدالة ليحققه حتى لأعدائه، وأمامنا كذلك الضعفاء الذين ينفذون أوامر القادة ويحققون رغبات رجال الدين في إطار خريطة يعرف فيها الأغنياء مكانهم جيدًا كما يعرفه الفقراء!
هكذا تبدو رواية “الإخوة الأعداء” المكتوبة في القرن الماضي خير معبرٍ عن واقعنا الذي نعاني فيه حتى يومنا هذا، وهكذا تبدو البشرية كلها في صورة مصغرة أمام تلك الأعمال الأدبية الخالدة.
في هذه الترجمة العربية الوحيدة ـ حتى الآن ـ يلتقي كازنتزاكيس الروائي العملاق الخارج من رحم الفلسفة بـ إسماعيل المهدوي الكاتب والمترجم القدير دارس الفلسفة وعاشقها، لتخرج لنا هذه الرواية عملاً أدبيًا ثمينًا شيقًا يخاطب كل إنسان آمن بالحق والخير والجمال.
من أجواء الرواية:
“هل يأتيني هذا السرور وهذه الراحة من حديثي مع الله أم من نشاطي مع البشر؟ اغفر لي يا رب، بل هما نتيجة نشاطي مع البشر، هذه هي الصلاة الحقيقية فلست أشعر مع الله إلا بالتمرد و الخوف”.
“اغفر لي يا رب، في إحدى اللحظات فقدت شجاعتي، فلست سوى إنسان كما تعلم، إنسان من طين وهواء، في البدء اعتقدت أنك لا تهتم بالبشر، وأنك تنظر بعين اللامبالاة إلى الظلم والاندفاع، إذ كان يكفي أن ترفع إصبعاً صغيراً فتنقذنا لكنك لم ترفعه”.
“أنت خير، أنت تترك الناس يذهبون حتى عتبة الجحيم، لأنه هناك يوجد الخلاص، فربما من عتبة الجحيم ينفتح باب الفردوس”.
“… فالوسائل التي نستخدمها تلوث الغاية التي نقترحها، ذلك أن الغاية ليست ثمرة ناضجة تتدلى معلقة في نهاية الطريق تنتظر حضورنا لنقطفها، الغاية ثمرة تنضج مع كل فعل من هذه الأفعال، والطريق الذي نختاره يعطي هذه الثمرة جمالها وشكلها ومذاقها ويملؤها بالعسل أو بالسم”.
“اصنع معجزة يا إلهي، النجدة، كيف تريد مني أن أقف أنا وحدي في مواجهة العالم كله، فأنا احتاج أن اعتمد عليك أيها المسيح كي أحارب، أحتاج إلى أن أشعر بجسدك ينعشني في حرارة الصيف وبالحرارة تخرج من أنفك في برودة الشتاء، أنا احتاج أن ألمسك بيدي”.