
فاتن حموي
«كنت طفلاً انطوائياً وخجولاً» بهذه الكلمات يجيب المخرج ومصمّم الرقص المسرحي والرسام وليد عوني لدى سؤاله عن طفولته. الطفل الانطوائي وقف على أهم المسارح العالمية والعربية وبعد شهرته التي تردّد صداها في معظم المحافل الفنية لم يعرض له عمل في لبنان «لا أعلم السبب ولا أريد التفكير في الأسباب، يبدو أن الوقت لم يحن بعد». هو ابن جب جنين الذي عاش طفولته الأولى في مدرسة الفرير في طرابلس حيث كان والده مدير البريد والبرق، فقد والدته الملقبة بكاتبة الفيحاء جيهان غزاوي عوني وهو في الرابعة من عمره، «كتبت والدتي مقالاً نشر في «دنيا المرأة» في الخمسينيات تحت عنوان «علّموا أولادكم حبّ الله» لأنني كنت شديد الغضب من الله حين رأيت نعشاً لطفل، كنت أطرح أسئلة عن الوجود، طفل أفكّر بموت الأطفال وأسبابه».
انتقل عمل الوالد إلى بشري، وانتقلت العائلة برمتها إلى مسقط رأس جبران خليل جبران، كان عوني في الثامنة من عمره يزور منزل جبران ومتحفه، يقف مذهولاً أمام رسوم جبران، «بدأت علاقتي بالرسم في ذاك الحين، وبعد تشكّل وعيي علمت أنّني رأيت الرقص في تلك الرسوم»، كانت المحطة الثالثة في حياة عوني في مدرسة الانطلاق في سن الفيل، ثم أتت المرحلة الجامعية في «الألبا» يضيف عوني «الجامعة كانت في منطقة المصيطبة آنذاك، درست الهندسة الداخلية سنتين، وكان قرار السفر إلى بلجيكا وتحديداً إلى الأكاديمية الملكية للفنون. اشتعلت الحرب في لبنان ولم أترك اختصاصاً في المعهد إلا ودرسته من الرسم إلى النحت إلى الغرافيك. قضيت عشرين سنة في بلجيكا وزرت مسارح ومتاحف أوروبا برمّتها».
مع موريس بيجار
وردة قلبت حياة وليد عوني رأساً على عقب، «اضطررت إلى بيع الورد في بلجيكا لأجمع ثمن دروس الرقص»، وفي إحدى المرات كنت أبيع الورود في أحد المطاعم، ووقف للمرة الأولى أمام مصمم الرقص ومخرج الأوبرا موريس بيجار، علم أنني من لبنان وأخبرني أنه يعشق بعلبك حيث قدّم أحد عروضه»، وانتهى اللقاء ليتجدّد صدفة بعد إصدار بيجار كتابه «L’autre Chant de la Danse» ابتعت الكتاب وعبّر عوني عمّا أتى به رسماً، «افترشت رسومي الأرض لأبيعها ومرّ بيجار فرأى كتابه على الأرض مع الرسوم ووردة، وتذكّر بائع الورود اشترى كل الرسوم، وبدأت رحلتي مع بيجار مصمماً للسينوغرافيا والديكور والملابس في بروكسيل وباريس وطوكيو في عروض قصة الجندي، قداس الزمن الآتى، اديث بياف، باريس ـ طوكيو، هاراجورو، الهرم ـ النور الذي قدّمه بيجار في دار الأوبرا المصرية العام 1990». أسّس عوني الملقّب بأبي الرقص المسرحي الحديث في العالم العربي فرقة التانيت للرقص المسرحي الحديث في العام 1979 في بلجيكا، وأول عروضه الخاصة كانت عن جبران ملهمه الأول، ثم توالت العروض من بيارو الحزين إلى نارسيس، بوليرو، معالجات عند فرويد، روميو وجولييت، مراسلات، وفلاش باك، «قمتُ في العام 1982 بعرض أعمالي هذه في لبنان، ولم أقدّم أي عرض بعد ذلك لأسباب لا أعرفها».
المحطة الثانية في حياة عوني كانت في مصر التي قضى فيها عشرين عاماً، بين العامين 1990 و1991 قام بإخراج وتصميم عرضين لفرقة باليه أوبرا القاهرة هما إيقاع الأجيال، ليالي أبو الهول الثلاث، كما صمّم وأخرج عرض «زنقة الناموس» لفرقة الباليه التونسي، وفي العام 1993 كُلّف رسمياً من قبل وزير الثقافة المصري فاروق حسني بتأسيس أول فرقة للرقص المسرحي الحديث في مصر والعالم العربي تتبع دار الأوبرا المصرية، حيث قدمت أول عروضها «تناقضات»، ثم «سقوط إيكاروس» 1993، «حفريات تدعى أجاثا» 1994 والثلاثية المصرية «الغيبوبة ـ نجيب محفوظ» 1995، «المقابلة الأخيرة ـ تحية حليم» 1996، «صحراء شادي عبد السلام» 1997، «الأفيال تختبئ لتموت» 1995، «في البداية كان الرقص» و «بروفا» 1998، «أغنية الحيتان» 1998، «حارس الظل» 1999، «شهرزاد كورساكوف» 2000، «أسرار سمرقند» 2001، وسترة النجاة تحت المقعد 2002، «محمود مختار ورياح الخماسين» 2003، «كلارا والرمال المتحركة» 2004 و «بين الغسق والفجر» 2005. كما قام بإخراج عروض عدّة لوزارة الثقافة المصرية وهي «ليالي طيبة» في الأقصر وعرض افتتاح متحف النوبة ورسالة الأقصر إلى العالم في معبد الدير البحري والاحتفال بانتهاء ترميم أبو الهول، افتتاح مسرح الجمهورية 2001، افتتاح مكتبة الإسكندرية 2002، افتتاح المئوية للمتحف 2002، افتتاح مسرح سيد درويش 2004. قدّم عوني الكثير لمصر وبادلته حباً وتقديراً، ففي العام 2007 على سبيل المثال لا الحصر أشرف عوني على العروض الفنية في افتتاح دورة الألعاب العربية الحادية عشرة في مصر في العام 2007 والتي عبّرت عن تاريخ وانتصارات وعادات الشعوب العربية بمشاركة 5000 جندي ومعهم 1000 فتاة واستمر العرض 80 دقيقة، كما تمّت الاستعانة به العام الماضي لإخراج الحفل الختامي لمهرجان القاهرة السينمائي.
استقال عوني من مناصبه في مصر بعد اندلاع الثورة في العام 2011، وعاد إليها زائراً العام الماضي وتحديداً إلى دار الأوبرا، حيث قدّم باليه «عصفور النار» رائعة الموسيقار الروسي إيغور سترافنسكي مع فرقة باليه القاهرة، وقوبل بحفاوة عالية من قبل الصحافة المصرية والعربية التي اعتبرته عائداً إلى مكانه الطبيعي وإلى بيته الأول، وقدّم مطلع العام الحالي في دار الأوبرا المصرية، عرضه «نساء قاسم أمين» الذي عُرض للمرة الأولى في 2010 وكان العرض الأخير لفرقة الرقص المسرحي الحديث قبل استقالته. أجرى عوني بعض التغييرات، بدءاً من العنوان الذي جعله «قاسم أمين… تحرير المرأة»، فضلاً عن أنه أضاف إلى مفهوم التحرّر بعداً آخر ركّز فيه على دور الفن في تحرير المرأة، كما قدّم عوني عرضه عن رائد النحت الحديث الفنان محمود مختار بعنوان «محمود مختار ـ من الفراعنة إلى آدم حنين» في الحفل الختامي لسمبوزيوم أسوان الدولي للنحت في آذار الماضي، «بعد اندلاع الثورة ومشاركتي بين صفوف الناس الذين أنتمي إليهم في الميدان، غادرت مصر إلى الهند وزرت أوروبا وأميركا وزرت المتاحف، كان لا بدّ من أن أنعش روحي وذاكرتي بزيارة المتاحف، وكانت المحطة الأبرز في الهند حيث تابعت مهرجان مئة سنة سينما في الهند إلى جانب الصديقة المخرجة جوسلين صعب التي كانت ضمن أعضاء لجنة الحكم».
جوائز وأوسمة
نال عوني العديد من الجوائز العالمية والأوسمة وميداليات التقدير من فرنسا وبلجيكا واليابان ومصر، كما نال وسام الشرف برتبة فارس من الحكومة اللبنانية ووسام الأدب والفن برتبة فارس من الحكومة الفرنسية ودرع القوات المسلحة المصرية وكتب عنه في موسوعة المسرح العربي، ونال جائزة أفضل عرض سينوغرافي عن عرض «الأفيال تختبئ لتموت» في المهرجان السابع للمسرح التجريبي العام 1995 وأحسن سينوغرافيا لعرض «محمود مختار ورياح الخماسين» للمهرجان التجريبي الخامس عشر 2003.
خاض عوني أخيراً تجربة المسرح الغنائي للمرة الأولى مخرجاً ومصمماً للرقصات في عرض «ابن بطوطة» من إنتاج شركة «أرابيسك» الدولية. كتب موسيقى «ابن بطوطة» وقاد الأوركسترا المايسترو هشام جبر، الكتابة الدرامية والشعر لسعد القليعي، أشعار نادر صلاح الدين والشاعر العماني صالح الفهدي. حصد العرض نجاحاً على مسرح دار الأوبرا السلطانية في مسقط، وقدّم الشهر الماضي في إيطاليا في معرض إكسبو ميلانو بمشاركة 180 فناناً من بينهم كورال جامعة أنتونين وكورال معهد الموسيقى الوطني اللبناني، وأوركسترا بوميريجي ميوزيكالي الإيطالية، وعازفي الآلات الشرقية من دار الأوبرا المصرية، وكذلك فرقة مدينة صوفيا للباليه، والممثل المصري عبد الرحمن أبو زهرة، الفنانة غادة شبير، الفنانة رحاب عمر من مصر، والفنانة العمانية هدى الخنبشي، وغيرهم.
عوني لا تهدأ أفكاره ولا التحضير لأعماله، من المقرّر أن يقدّم العام المقبل عملاً أوبرالياً بعنوان «الحفلة التنكرية»، إضافة إلى أوبرا لموتسارت «الهروب من السراي»، وعرض لفرقة الرقص المسرحي الحديث عن النحات المصري محمود مختار، كما سيعيد عرض»الأفيال تختبئ لتموت» التي عرضها للمرة الأولى منذ 15 سنة، وكلها عروض طلبتها منه دار الأوبرا المصرية، وبالتوازي يعمل عوني مع المخرجة السينمائية جوسلين صعب على فيلم غنائي موسيقي عن حياة المنتجة اللبنانية آسيا داغر، «ما زال هذا العمل قيد الدرس، وأنا أدرس وأتدخّل في التفاصيل كلها».
حين نسأل عوني عن طموحه يقول «لا طموح لديّ ولا أحبّ التحضيرات في إطار الطموح، عشت حياتي هكذا لم أفكّر بالخطوة التالية فمن الممكن أن يقف كلّ شيء في لحظة، رأسي مليء بتساؤلات عدّة»، ولدى سؤاله عن مفهوم الرقص لديه «لم أفهم الرقص حتى اليوم، ولا أعرف لماذا لديّ موهبة الرقص». عوني يعتبر نفسه مخرجاً قبل أن يكون راقصاً «عندما قدّمت أول عروضي لم أكن أعرف الرقص، لكنّ الحياة علّمتني الرقص».
السفير