القصة الأردنية الجديدة ومغامرة الكتابة


*يوسف ضمرة


تشهد القصة الأردنية من سنوات تطوراً ملحوظاً، ربما يفوق في كثير من الأحيان مثيلتها في بقية الأقطار العربية. ومرد هذا التطور هو الجرأة التي يتمتع بها الكتاب الجدد، لا من باب مقولة «قتل الأب» بمقدار ما هو من باب البناء على إنجازات الأب، برؤية أكثر جدة وعمقاً واتساعاً.
ولعل هذه الجرأة تترجمها مغامرة القص التي ذهبت بعيداً، التي لم تكن لتتوافر من قبل، بسبب الشعور بالخوف والرهبة والحذر، في مواجهة قصة عربية حققت إنجازات مميزة في دول كمصر وسورة ولبنان.
الكتاب الجدد، وجدوا أنفسهم محررين من قيود فرضها الالتزام الميكانيكي في الأدب. وجدوا أن في استطاعتهم الخوض في هواجس الإنسان، من دون تزويق أو شعارات متفائلة بمستقبل المجتمعات، ومن دون حتميات جثمت على صدور الكتاب السابقين، اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.
لم يجد القاص الجديد في الأردن أي حرج في تلمس مواطن الضعف والخوف والقلق على مصير الإنسان. لم يعد القلق الوجودي شتيمة أو بطة سوداء في سياق المشهد الأدبي. فلا أحد في استطاعته تنحية هذا القلق، مهما بلغ من مراحل نضالية متقدمة، تتمثل في الإيثار وإنكار الذات.
وحين تمس المغامرة القصصية القيم الإنسانية والمفاهيم البشرية التي كانت محرمة على الكتابة والأدب، فإن من الضروري أن تمتد المغامرة لتلامس القيم الفنية؛ التكنيك بكل تفاصيله.
لا يقتصر الأمر هنا على القصة القصيرة جداً أو القصة الومضة، بل يتعداه إلى الخلط بين الأجناس، بوعي حيناً، وببراءة حيناً آخر. وإذا لم تكن ثمة قواعد راسخة بعد، فإن الفنون عموماً لا تتطور وفق قواعد راسخة أو معتمدة. أي إن ما تتعرض له القصة القصيرة من تطور واختلاف، ليس قائماً على قواعد نقدية، بمقدار ما هو قائم على رؤى جديدة في الكتابة القصصية.
لم يعد الكاتب الجديد معنياً بتقديم معالجات وإجابات عن أسئلة تؤرقه أو تؤرق الإنسان في مجتمعه. بل يمكن القول إن الكتابة القصصية الجديدة أصبحت معنية أكثر بإثارة المزيد من الأسئلة المقلقة، لأن الكاتب اكتشف أنه غير قادر على تقديم أي إجابة وحيدة صائبة دون غيرها، فلا يستطيع الكاتب أن يتخذ من وقائع الماضي معياراً لتطور المجتمع مستقبلياً، كما يفعل بعض الكتاب المستسلمين لقواعد هذا الماضي موضوعياً وفنياً.
وفي سياق هذا التطور القائم على رؤى جديدة يلعب الخيال دوراً أكثر بروزاً وأهمية مما كان عليه في السابق. فبينما كان الخيال محدوداً بسبب محاولات الكاتب تقريب الكتابة من الواقع المعيش، فإنه أصبح يمتلك حرية الغوص في عوالم كانت معتمة، والتحليق في آفاق ربما يحلو للبعض تسميتها بالسحرية، كما حدث مع كتابة أميركا اللاتينية. والسحرية توصيف لعوالم غير مألوفة، تتشابك فيها الوقائع التاريخية والميثولوجيا الشعبية والدينية. وهي بذلك تخص شعوب الأرض كلها ولا تستثني أحداً. لكن الفرق هو أن هنالك كتّاباً وأدباء قادرين على ارتكاب مغامرة الكتابة حتى الثمالة، بينما يخجل البعض الآخر أو يخاف المؤسسة الرسمية والمؤسسات الدينية.
تحية مخلصة لكتاب القصة القصيرة الأردنية، لما يقومون به من مجازفة لهتك أسرار القص، واجتراح تقنيات جديدة، ستقودنا قطعاً إلى نماذج قصصية راقية.
______
*الإمارات اليوم

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *