د. خالد العزب
خاص ( ثقافات )
لو تحدثت في عشرينيات القرن العشرين في مصر عن كتابة اللغة العربية بحروف إنجليزية على غرار ما فعل كمال الدين أتاتورك في تركيا، لخضت معارك قوية ولاتهمت بأنك غير وطني، هذا ما حدث مع بعض من طرحوا هذه الرؤية في ذاك العصر.
لكن الآن تسربت كلمات إنجليزية كثيرة إلى لغتنا اليومية، حتى صار المذيعون في برامج التلفاز يتباهون بمعرفتهم باللغة الإنجليزية في الوقت الذي تردى فيه مستواهم في اللغة العربية.
لكن الكارثة العظمى هي في الأجيال الجديدة التي تكتب اللغة العربية بحروف إنجليزية على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي رسائل جهاز المحمول، حتى صارت هذه الكتابات تحمل ملامح خطيرة لمستقبل اللغة العربية، يكرسها إهمال تدريس العربية في المدارس ذات التعليم الأجنبي حتى صار تلاميذ هذه المدارس لا يعرفون من العربية سوى اسمها، أما أدبها وتارثها وجماليات اللغة العربية فهم لا يعرفون عنها شيئًا، فيتذوقون اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية وأدبها وإعلامها.
إن كل ما سبق يهدد الشخصية الوطنية المصرية، التي تهملها وزارتا التعليم والإعلام، فبات من الملحّ إعادة الاعتبار أولا لمدرسي اللغة العربية، ولمناهج تعليمها التي يجب أن تكون تشويقًا للطلاب، وأن نعيد مسابقات الشعر وكتابة النثر، بل أن نجعل من لغتنا العربية الجميلة بحرًا لفنون اللغة الممتعة.
إن قضية اللغة الوطنية هاجس يقلق حتى فرنسا، فاتخذت إجراءات قوية لحماية لغتها، فما بالنا ونحن ندرك أن لا لغة لنا، فلا نحن عززنا لغتنا الوطنية، ولا حتى تم إقرار أن لا لغة لنا، بل تشبيك بين عدة لغات تنتج جنينًا مشوهًا لا معنى له، حتى صارت السخرية بمن يتحدث العربية أمرًا شائًعا، وإنه لشيء محزن ألا يتحدث كبار المسئولين بلغة عربية سليمة.
إن تجاهل الإعلام للمؤتمر السنوي لمجمع اللغة العربية، وهو مجمع الخالدين الذي يجتمع فيه أساطين العربية في العالم، كأن العربية ومجمعها لا وجود لهم.
لقد نجح مجمع اللغة العربية في نحت مصطلحات أكدت على ثراء لغتنا كدبابة وطائرة وهاتف، بعضها ساهم الإعلام حين كان حيويًّا في ترويجها، وحين أهمل الإعلام لغتنا ضاعت كما ضاعت ثقافتنا.