متحف جبران من بشري إلى بيت الدين: عالم «النبي» اللانهائي!




يقظان التقي

من متحف جبران في بشري إلى بيروت، ثم إلى بيت الدين. احتفالية أخرى فنية بالرسم واللوحات والمخطوطات الأصلية بتوقيع جبران وبمعرض صور يقام طيلة أيام مهرجان بيت الدين بالتعاون مع لجنة جبران الوطنية.

عالم جبران الرسام، مدخل القصر ومدخل إلى عالم جبران الرؤيوي، ذلك الحالم بروحه الخفية وبعناصر من خطوط وصور وأجسام وأنغام تتنفس هواء الجبل والناس محكومة بالمرور بمقامه وأنواره.
هي المرة الثانية التي تنتقل فيها لوحات جبران خارج متحف بشري وللمرة الأولى يزور جبران الشوف خلال مهرجانه الفني بألوانه وخطوطه ورؤاه الفنية على نحو يكمل شعره وأدبه واللوحات المعروضة هي تكملة شعره وأدبه، تكملة لرؤاه الشعرية والروحانية، تلك الروحانية العادية في رؤى متخيلة فيها الكثير من مناخات المسيحية والتوراة، كما فيها من روح الجنّة القديمة، الجنّة المفقودة.
وجبران يمس الحضور بسلطة الحياة حيث يعيد خلق جنّة سماوية جديدة ليست بالضرورة موجودة على الأرض.
لوحات زيتية وبالقلم الرصاصي، وطاولات عدة تحتوي على كتابات بخط يده ومخطوطات أصلية لا يكتب جبران العربية بخط جميل، وكتاباته بالإنكليزية فوضوية بالشكل وتكاد لا تقرأ إلا بصعوبة، إلى بورترياته الشخصية مع شرائط فيديو مصورة ومعرض صور يغطي صالة العرض الكبرى الداخلية، فيما تستقبلك رسومه الأساسية في الصالة «العقدية» على مدخل القصر فتخطو خطواتك الأولى في أرض النبي وأرض جنّته الموعودة.
تمشي على أطراف قدميك أمام أفكار أزلية أمام وجه الإنسان في أبديته، حين لا يلامس أزمنة بعينها بحثاً عن المعاني والمجازات والرموز الباطنية.
قراءة جبران رساماً لا تأتي إلا بعينين صامتتين، ورسومه انطباعية إلى حد كبير، وأنجزت بين 1918 و1920 وبعضها ليزين كتابه الشهير «النبي»، الذي أصدرته منشورات «كنوف» في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1921.
أنت في حضرة النورانية عند جبران، وفي حضرة الحرية الإنسانية، مع الامرأة وحدها أم مع الرجل الآدمي أو ما قبل الآدمي وحده. هذا الإنسان هو محور العالم وهو محور جاذبية السماء، وهو غيوم العراء وما وراء المخيلة المادية.
يرسم جبران المرأة.. على أنها الإنسان العاري من حالاته الأولى، أي من حالات الجنّة التي رسمت في الكتب الدينية، إلى الجنّة التي رآها في بعدها الميتافيزيقي الذي يتجاوز البصيرة المادية الحسية إلى التحولات النورانية وبتلك المودة الحميمة.
كأنها حكاية آدم وحواء قبل الخطيئة، وقبل بداية الإنسان. ثم إنه الحب الروحاني غير المألوف المحاط بطبيعة غير الطبيعة العادية، لا ورود ولا أزاهير، رومانسي طبيعة أخرى من دون تحديد، الطبيعة الخالية.
كأنه عالم جبران خليل جبران الآخر. عالم من غيوم وظلال جبال فارغة من طبيعة ومن لا طبيعة
إنه التجريد الانطباعي، الانطباعية التجريدية محور إنسان لا يحدد بزمان ولا بمكان ولا بدين ولا بهوية. إنسان مطلق لا يعرف تلك التخوم القاتمة التي تفصل المرأة عن الرجل.
بورتريات شخصية لجبران في المعرض لا ترسم ملامح وجه صاحب النبي، بل ترسم رؤية، ومعروف أن جبران اشتهر برسم كبار الشعراء والكتّاب العرب القدامى، كما رسم السيد المسيح، رسم المتنبي وابن الرومي كما تصورها هو في أفكارها وفلسفتها وفي أدبها وشعرها وأشيائها وكما قرأها هو من منطقة الصوري مع تأثره بكل من نيتشه ووليم بليك، والأخير كان مثله شاعراً ورساماً، إلى لقائه بعملاق الرمزية رودان وإعجابه بكبار الرمزيين من الفنانين أمثال بوفيس دوشوفان وغوستاف مورو وأوجين كاريير..
هكذا جاءت رمزية جبران كجزء من التحولات بمستوياتها المختلفة التي صنعت القرن العشرين كأنها رسوم لم يرد أن تخرج نهائياً، في طور التجريب والحب اللانهائي وأهمية الرسم عند جبران هو تلك الرؤية الحرة للإنسان، الإنسان ضمير الحرية من دون تابوات ولا حواجز ولا معابر ولا تخوم زمنية ولا حروب ولا موت ولا أزمنة محددة.
كأنه الإنسان خارج كل الأزمنة.
الإنسان في زمنه الخاص.. وجبران ديني قبل «الأديان». ديني في الخليقة الأولى. يحدث أن يلبس ملائكته بعضاً من ثياب وهي نوع من زخرفة التأويل في ثناياه وخطوطه وتقاطعاته.
يستمر المعرض طيلة أيام وفعاليات مهرجان بيت الدين الفني، إلى السادس من أيلول المقبل.
المستقبل

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *