موناليزا الأهوار العراقية: امرأة واقعية أم أسطورة؟


محمد الأسعد

حتى الآن مرّ ما يقارب ثمانون عاماً على انتشار صورة شابة حسناء فريدة من نوعها في بيوت المدن وأكواخ الأرياف العراقية، وفي البقاليات وأماكن اللهو، وكان سائقو المركبات البرية والنهرية حتى وقت قريب يعلقونها في مركباتهم وسفنهم كما لو كانت تعويذة لجلب الحظ أو لإبعاد العين الشريرة.

اكتسبت صاحبة هذه الصورة، أو اللوحة في الحقيقة المرسومة بريشة رسام غربي ماهر، ثلاثة أسماء، فهي “بنت المعيدي” في العربية، وهي “صمانجي قيزي” في التركمانية، وهي “كيجي كافروش” في اللغة الكردية.
وتُجمع التسميات الثلاث، أو الألقاب، على أنها فتاة من طبقة فقيرة، فهي حسب التسميات الثلاث، إما ابنة مربي جاموس في جنوبي العراق، وإما هي ابنة تبان كردي وإما هي ابنة بائع تبن تركماني.
وتداولت الأوساط العراقية، والشعبية الفقيرة منها في الأرياف بخاصة، حكايات شبه أسطورية عن هذه الحسناء يجمعها حدث مركزي واحد، وهو أن هذه الفتاة الجميلة كانت موضع إعجاب ضابط بريطاني من الذين شاركوا في احتلال العراق إبان الحرب العالمية الأولى، ولكن الحكايات تختلف حول هويتها وحول مكان هذه المشاهدة، فهي مرة عربية من إحدى قرى الأهوار الجنوبية، أو تركمانية أو كردية من ضاحية من ضواحي كركوك.
وتمضي الحكايات إلى أن الضابط تقدم لخطبتها ولكن أهلها رفضوه، فاضطر إلى اختطافها والطيران بها إلى لندن.
وهنا تختلف الحكايات أيضاً، فبعضها يقول أن أهلها أخفوها عن الأنظار، وبعضها يقول أنها قفزت من الطائرة هرباً من مختطفها، وبعضها يقول انها عاشت منعمة في لندن وتحولت إلى سيدة من سيدات البلاط!
ورأفة بها وبأهلها، كما تقول الحكاية، طلب زوجها من رسام بريطاني كبير أن يتخذها نموذجا ويرسم لها صورة، ثم قام بارسال الصورة إلى أهلها في العراق، ومن جانبها قامت شركة بريطانية بطباعة آلاف النسخ من هذه الصورة ووزعتها في العراق وبلاد أسيوية مجاورة.
حتى الآن، ومع انتشار صورة هذه الحسناء التي عشقها العراقيون بمختلف طبقاتهم منذ ثلاثينات القرن العشرين، لم يتوصل أحد إلى معرفة حقيقة هذه الحسناء، ولا معرفة الرسام أو الضابط البريطاني الخاطف، أو حتى تحقيق تقدم في معرفة سرّ هذا الانتشار المدهش للوحة من لوحات رسام استشراقي، كما هو واضح من الأسلوب وملامح وملابس الفتاة، في الأوساط الشعبية العراقية، بل وسرّ ما يشبه الإعتزاز بتملك هذه اللوحة، وإطلاق اسم “موناليزا العراق” عليها، وقول بعضهم أن جمالها يتفوق على جمال الموناليزا الإيطالية التي أبدعها ليوناردو دافنشي.
العربي الجديد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *