جثّةٌ مربوطة إلى عمود كهرباء. رأسٌ مقطوع وموضوع بين قدمي الجثّة. هذا المشهد ليس مقتبساً من فيلم رعب أو فيلم دموي. بل صورة حقيقية لمواطن سوري قتله “داعش”، الآن، وهنا، في عام 2015.
صاحب الصورة هو المدير السابق للآثار في مدينة تدمر السورية، خالد الأسعد الذي تقاعد من منصبه عام 2013، الذي أُعدم أمس بقطع رأسه، ثمّ وُضعت جثّته بتلك الطريقة أمام الناس.
لم يكن الأسعد (1934 – 2015) مجرّد موظّف في دائرة رسمية، إنّما عالم آثار يعتبر بمثابة أب لآثار مدينة تدمر السورية. بعد أن درس التاريخ في جامعة دمشق، عمل رئيساً للدراسات والتنقيب في مديرية الآثار في دمشق عام 1962، ثم في “قصر العظم”، حتى نهاية عام 1963.
شغل مناصب كثيرة أخرى، مثل أمين “متحف تدمر الوطني” في “المديرية العامة للآثار والمتاحف”، ورئيس بعثات التنقيب والترميم العاملة في تدمر (1963 – 2003). كما عمل في منظّمات عربية وأجنبية، إذ كان خبيراً وطنياً لتطوير السياحة الثقافية، ضمن برنامج (CDTP) للتطوير الأثري في موقع تدمر، في مشروع مشترك بين المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة السياحة واليونيسكو. كما كان خبيراً وطنياً في برنامج الإدارة المحلية (MAM)، ضمن مشروع مشترك بين المديرية العامة للآثار والمتاحف ووزارة الإدارة المحلية والمفوضية الأوروبية.
شارك الأسعد في مجموعة من المعارض الدولية والندوات الأثرية في العالم العربي وخارجه، مقدّماً مساهمته في نشر هذا التاريخ. وقد عدة أوسمة وتكريمات من بينها “وسام الاستحقاق” من بولندا عام 1998.
تعلّم الأسعد اللغة التدمرية الآرامية، ومنذ عام 1980، إلى غاية رحيله (ظلّ يعمل رغم تقاعده)، وهو يشتغل على ترجمة النصوص المعثور عليها، أو تلك التي كانت تُكتشف على إثر التنقيبات.
في عام 1988، عثر على منحوتة “حسناء تدمر”، ومدفن أسرة بولحا بن نبو شوري، ومدفن أسرة زبد عته، ومدفن بورفا وبولحا، ومدفن طيبول. إلى جانب هذا كلّه، عمل في البعثة الوطنية الدائمة للتنقيب والترميم، إذ أعاد بناء أكثر من 400 عمود، إضافة إلى مجموعة معابد ومنصّات وأسوار، وغيرها الكثير.
لم يكن الأسعد ليترك كلّ هذه التنقيبات وما نتج عنها من اكتشافاتٍ من دون توثيق، إذ عمل على إعداد ونشر مجموعة من الدراسات والأبحاث حول تدمر وسورية وتاريخهما.
من هذه الأبحاث؛ “المنحوتات التدمرية”، الذي أعدّه مع آنا سادورسكا وعدنان البني، بالتعاون مع البعثة البولونية، وصدر عام 1994 بالفرنسية، و”الكتابات التدمرية واليونانية واللاتينية في متحف تدمر”، بالمشاركة مع ميشيل غافليكوفسكي، وصدر باللغة الإنجليزية عام 1997، و”دراسة أقمشة المحنّطات والمقالع التدمرية”، بالمشاركة مع أندرياس شميت كولينيه، وصدر بالألمانية عام 2000.
قُتل الأسعد على يد ذلك “التنظيم” يجسد فهم الأخير للتاريخ والفن، والذي لا يقتصر على تدمير الآثار ونهبها وبيعها، بل ينسحب أيضاً على قتل الفاعلين فيه، والناشرين له؛ تنقيباً وأبحاثاً. إنهم يقتلون من يعرف التاريخ ويوثّقه ويجسّده بحياته.
العربي الجديد