محمد الحمامصي
يرصد كتاب “دعاة وأدعياء معاصرون” للدكتور محمد جمال طحّان الصادر عن دار منشورات المتوسط، ظاهرة الدعاة الجدد محللا ومسجلا لبضعة وثلاثين داعية، من الذكور والإناث، صنفهم على أربعة أقسام، بحسب الجهة التي انطلقوا من خلالها: من الجامع، أو الجامعة، أو الفضائيّات، أو الكتب. ورُتّب الأسماء تَبَعاً لسنة الولادة، وعُرض السيرة الذاتية والمسيرة العلميّة والمؤلّفات وبعض الخصائص التي يتميّز بها الداعية، وانتخب شيئاً من أقواله كي تتكوّنَ لدى القارئ فكرة إجمالية عنه.
ويؤكد طحان أن أنّ الحياة الإنسانيّة شديدة التعقيد والتنّوع. مذاهب شتّى، وأساليب متنوّعة، وأفكار متباينة؛ بينها رابطٌ موحِّد، وعروة وثقى، تؤكّد على توحيد الخالق وعظمته، وتجتمع على شمائل النبيّ العربيّ الذي جسّد في أقواله وفي أفعاله الخصال الأخلاقيّة الرفيعة.
ويقول د. طحان أن أحدا لا ينكر أهمية الداعية المخلص وفضله في إيقاظ النزوع الأخلاقي لدى الناس، وقد خصّه الله بالتفضيل “وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ”.
ويبتكر الدعاة الجدد أساليب جاذبة في أحاديثهم ومحاضراتهم وندواتهم التلفزيونية أو الإذاعية أو منابر المساجد وقاعات المحاضرات، للحثّ على الفضائل والقيم والأخلاق النبيلة، والدعوة إلى الالتزام بالسلوك الإسلامي القويم.
هذه القدرة على استخدام التقنيّة الحديثة أكسبتهم شعبية واسعة وحضوراً متميّزاً. ويحرص الدعاة المعاصرون على الدعوة إلى الله عن طريق الحكاية والإقناع، بعيداً عن الوعظ الذي لا يرتبط بمستجدّات الواقع. يعتمدون على الترغيب بالتركيز على تأكيد مغفرة الله تعالى الواسعة، وهو الغفور الرحيم، وعلى رحمته التي وسعت كل شيء، ويدلّلون على ذلك مما درسوه من سيرة رسول الله وأهله وصحابته عليهم رضوان الله. هذا الأسلوب جذب إلى مجالسهم وأحاديثهم الشباب، يستمعون ويناقشون ويتأثّرون ويهتدون.
وفي ضوء هذه الرؤية ولدت الفكرة حيث يشير د. طحان إلى أن الأمر استوقفه، فكانت هذه الدراسة ظاهرة الدعاة المعاصرين خلال السنوات الماضية، ويضيف “أن الشباب وجدوا في هؤلاء الدعاة قواسم مشتركة، منها لغة سهلة ميسّرة وأسلوب سهل مبسّط، فيسّر ذلك لهم فَهْمَ ما عصي عليهم من أمور دينهم، وجدّد رغبتهم في الالتزام مسلكاً وسلوكاً بالإسلام وتعاليمه السمحة”.
ويؤكد نجاح الكثير من هؤلاء الدعاة المعاصرين في مخاطبة الفئة الأهم في المجتمع، وهي فئة الشباب، التي تحاول شتّى التيارات السياسية والحزبية والدينية استمالتها، و”ذلك من خلال الخطاب الشبابي المنفتح على كل ما هو حديثٌ وعصريّ في عالم اليوم، ومن خلال الإفادةِ من سعةِ اطلاع الدعاةِ أنفسهم وانفتاحهم على الثقافات الغربية.
إنّ صورة الداعية الديني الأنيق، المنفتح على تطورات العصر، والأقرب أيضاً إلى حياة الناس اليومية، لم تكن يوماً في المجتمع الإسلامي كما هي عليه اليوم. لقد تبلورت في السنوات الأخيرة حتى باتت تطغى على الصورة التقليدية للإمام الشيخ ذي اللحية الطويلة، والذي يقصر مواعظه على ما يتعلق بالأمور الدينية البحتة.
لقد أدرك الدعاة الجدد أنّ الوعظ لا يجدي لمكافحة الرشوة ـ مثلا ـ في مجتمع تنمّي فيه وسائل الإعلام، وهيئات التخطيط، والعلاقات الاجتماعية؛ الجشع اللامحدود”.
وقد تنوّعت مصادر د. طحان بين الكتب واللقاءات الشخصيّة والمراسلة ومواقع الدعاة أنفسهم. حيث كان المعيار الأساسي في الاختيار هو مدى التأثير الذي يحققه الداعية، ومدى انتشار أفكاره خارج محيطه القطري، مع مراعاة التنوّع بحيث يكون لدى كل داعية، ورد ذكره في الكتاب، جانب يتميّز فيه عن سواه، حرص الكتاب – قدر الإمكان – على تنوّع البلاد العربية التي ينتمون إليها – وهم – جميعاً ـ أحياء.
من هؤلاء الدعاة د. علي جمعه، وعلى زين العابدن الجفري ومصطفى الحسيني وعمرو خالد ومحمد العريفي ومصطفى محمود وغيرهم، ويلفت د. طحان إلى أنه تجنّبت حكم القيمة، ويقول “لم أشأ الخروج عن حدود الوصف في تناول دعاتنا الأفاضل، والمدّعين الذين كشفت الأيام الحُجُبَ عنهم، وتركت سيَرَهم الذاتيّة وأعمالهم وأقوالهم تدلّ عليهم”.
ولعل أهم ما يميز هذا الكتاب أنه يصدر الآن بعد خمس سنوات على إنجازه ويعود ذلك بحسب المؤلف إلى أنه “لم ينشر لأسباب تتعلق بإجرام السلطة القمعية في سوريا”، ولكن هذا التأخير كان في صالح الكتاب حيث “استجدّت أمور إثر الانتفاضات في بعض البلدان العربية، فانكشف الغطاء عن كثير من الدعاة ودخلوا خانة الأدعياء، واتّضحت أدوارهم في نصرة الطغاة لتحصيل مكاسب سلطوية ومالية. لهذا كان لا بد من استكمال العمل، بتبيين الحال التي وصل إليها الداعية، عقب الكلام عليه، تحت عنوان: “الوجه الآخر.”
ميدل ايست أونلاين