*عبد الله القمزي
مضمونة النجاح لو كتبت ونفذت بصورة جيدة، فهي تناقش العقل والمنطق، وتطرح قضايا أفراد المجتمع في المحاكم وتستعرض القانون وثغراته، كما تعتبر صنفاً مستقلاً قائماً بذاته في هوليوود، ويتخذ من قاعات المحاكم مسرحاً للأحداث.
بدأت الدراما القانونية في عهد الأفلام الصامتة بفيلم للمخرج كارل ثيودور دريرز بعنوان The Passion of Joan of Arc، عام 1928، يحكي الفيلم وقائع حقيقية جرت في فرنسا في القرن 15 لمحاكمة جين د آرك بتهمة الهرطقة، وجهود محلفيها التابعين للكنيسة لإقناعها بالتراجع عن رؤاها المقدسة.
نقطة انطلاق
هذا الفيلم كان بمثابة الأساس الذي انطلق منه مخرجون أتوا فيما بعد، واستغلوا هذا الصنف من الأفلام كمنشور عرضوا خلاله أحداثاً عالمية، من محاكمات تاريخية، مثل محاكمة السيد توماس مور في فيلم «رجل لكل المواسم» عام 1966 A man for all seasons لرفضه زواج الملك هنري الثامن، إلى أفلام عن محاكمات مذابح الحرب العالمية الثانية وأشهرها فيلم Judgement of Nuremberg ،1961 إلى اغتيالات سياسية وأشهر فيلم يعرض محاكمة سياسية كموضوع رئيس هو JFK عام 1991 لأوليفر ستون.
ازدهار
كانت حقبة الخمسينات والستينات فترة ازدهار للدراما القانونية في هوليوود كصنف يهدف للمراجعة الأخلاقية، ولعل أهم مثال نذكره هنا هو الفيلم الكلاسيكي الشهير 12 Angry men للمخرج الأميركي سيدني لوميت عام 1957.
الفيلم عن جريمة قتل مراهق لوالده تغلفها الشكوك. يدخل هنري فوندا الذي لعب دور المحلف الوحيد غير المقتنع بأن المراهق كان القاتل، في مداولات ومناقشات حادة تدفع بقية المحلفين للتخلي واحداً تلو الآخر عن آرائهم. الفيلم يعكس المسؤولية الأخلاقية لمحلف، ويضعها في كفة مقابل المصلحة الشخصية لمحلف ثان في كفة أخرى اتخذ قراره بأن المراهق قتل والده، ليستعجل إرساله إلى الإعدام من أجل حضور مباراة بعد المحاكمة.
أو محلف ثالث يصر على أن الفتى قتل والده دون أي دليل يستند إليه، ليكشف لنا الفيلم لاحقاً أن هذا المحلف الأخير يعاني علاقة سيئة مع ابنه. ولا نزال في الحقبة ذاتها، والتي جذبت أفضل المخرجين وأكبر النجوم إلى الدراما القانونية مثل جريجوري بيك في الفيلم الكلاسيكي To Kill a Mockingbird عام 1962، وجيمس ستيوارت في Anatomy of a murder عام 1959. استمرت فترة الازدهار إلى السبعينات في ظل انجذاب الجمهور الشديد إليها واختتمت تلك الحقبة بفيلم And Justice for all الساخر، عام 1979، من بطولة الأسطورة آل باتشينو وإخراج نورمان جيويسون.
الفيلم يعد من أغرب أفلام المحاكم، لأن قصته تتناول صراعاً بين محام يؤدي دوره باتشينو وقاض. الأول دخل السجن بسبب الثاني. تنقلب الأمور رأساً على عقب لاحقاً ليدخل القاضي السجن ويتولى هذا المحامي الدفاع عنه. تتعقد الأمور أكثر عندما تثار قضية رجل مسجون خطأ بسبب ذلك القاضي، ويتولاها المحامي نفسه.
تعثر
في فترة الثمانينات تعثرت الدراما القانونية بسبب إقحام الإباحية كموضوع رئيس فيها، لكن ذلك لم يمنع بروز أفلام جيدة مثل The Verdict عام 1982 وهو من بطولة الراحل بول نيومان عن محام مدمن كحول يحاول إعادة الاعتبار لنفسه برفض التسوية المعروضة أمامه والمضي قدماً لكسب قضية تتعلق بخطأ طبي. وأيضاً برزت في الثمانينات أفلام Jagged Edge، وPresumed Innocent، إلى أن جاء فيلم The Accused عام 1988 وأعاد الاعتبار إليها.
العهد الثاني
شهد دخول عقد التسعينات ظهور الدراما القانونية العسكرية ممثلة بفيلم A few good men عام 1992، والذي حقق نجاحاً ساحقاً على مستوى النقاد والجمهور على حد سواء، الفيلم عن محام عسكري يتولى الدفاع عن جنود مارينز متهمين بقتل زملائهم.
المخرج روب راينر ركز بشدة على أداء ممثليه خصوصاً توم كروز وجاك نيكلسون، وأهمل عامل الإثارة والتشويق في القصة بالرغم من كونها قوية جداً، فكانت النتيجة أن المشاهد يعلم الاتجاه الذي يسير فيه الفيلم لأنه يقول لنا ما سيحدث، ويفعله، ثم يقول لنا بأنه فعله، وهو المشهد غير الحكيم الذي كان كروز فيه يشرح استراتيجية دفاعه، ما لا يتناسب مع طبيعة هذه النوعية من الأفلام التي تشترط الغموض في سرد الأحداث.
قانون غريشام
ابتداء من عام 1993، ازدهرت أفلام المحاكم ازدهاراً شديداً لأول مرة منذ الخمسينات والستينات، والفضل في ذلك يعود لدخول المحامي الأميركي السابق جون غريشام على خط الإنتاج، فقد أثرى هذا المحامي هذا الصنف بثمان من رواياته تحولت إلى أفلام وجذبت كبار مخرجي هوليوود أمثال فرانسز فورد كوبولا الذي أخرج The Rainmaker، والراحل روبرت ألتمان أخرج فيلم The Gingerbread man، والراحل سيدني بولاك فيلم The Firm، وجويل شوماخر الذي أخرج فيلمين الأول The Client والثاني A Time to kill.
يذكر أن فيلم The Gingerbread man هو الفيلم الوحيد الذي كتبه غريشام كنص سينمائي لا يستند إلى رواية.
كذلك أسهمت أفلام جون غريشام في جذب نجوم التسعينات مثل جوليا روبرتس ودانزل واشنطن وتوم كروز وسوزان ساراندون وتومي لي جونز وساميول جاكسون وساندرا بولوك وماثيو ماكوناهي والكثير غيرهم.
ناقشت أفلام غريشام قضايا عدة تتعلق بالمخدرات والفساد الحكومي، وتطرقت إلى صراع الحكومة مع عصابات المافيا، وقضايا الميراث والأحوال الشخصية، وفساد شركات التأمين فضلاً عن العنصرية التي عانى منها الأميركيون من أصل إفريقي، والعديد من القضايا الأخرى.
إلى جانب غريشام، ظهر روائيان أسهما أيضاً في إثراء الدراما القانونية هما سكوت تورو ومايكل كونولي، لكن بقي جون غريشام متربعاً على عرش هذا الصنف من الأفلام إلى يومنا هذا، وفي هوليوود أطلقوا عليه لقب ملك قاعات المحاكم.
فضائح من الواقع
مع نهاية عهد غريشام ودخول الألفية الجديدة شهدت الدراما القانونية ولادة أفلام تناولت قصصاً واقعية حول فضائح مؤسسات صناعية كبرى في الولايات المتحدة، تسببت في تلويث البيئة ونشر أمراض خطيرة كان أبرزها فيلم Erin Brockovich عام 2000، عن امرأة أسقطت بمساعدة محام شركة كهرباء في كاليفورنيا تسببت بتلويث مصدر للمياه، وفيلم دعوى مدنية A Civil Action عام 1998 عن شركة ألقت نفايات سامة بالقرب من منطقة سكنية وتسببت بمقتل أطفال، وكما نرى في الفيلم فإن المحامي الذي مثل الأهالي وجد صعوبة كبيرة في إثبات جرم الشركة، ما أدى إلى إنفاقه على القضية من أموال مكتب المحاماة، وعندما تمكن من تجريم الشركة كان مكتبه قد أعلن الإفلاس.
في العشر سنوات الأخيرة برز فيلمان من هذا الصنف، كان الأول North Country عام 2005، والذي تناول موضوع التنمر على النساء في أماكن العمل التي يسيطر عليها رجال، والآخر كان مايكل كلايتون وهو عن قضية بيئية كذلك.
T.V.
شهد عام 1990 دخول الدراما القانونية على شاشة التلفزيون ممثلة بالمسلسل التلفزيوني الشهير Law & Order أو القانون والنظام الذي استمر عرضه على قناة NBC في نيويورك 20 عاماً وتوقف العام 2010، حيث شهد هذا الصنف خطوات خجولة على الشاشة الصغيرة.
حقق هذا المسلسل شعبية واسعة خاصة لدى طلبة الحقوق الذين استلهموا منه أمثلة ساقوها لأبحاثهم في مجال القانون. توافد على هذا العمل جيلان من الممثلين منهم من قضى نحبه أثناء عرض المسلسل ومنهم من شاخ معه. المسلسل يتبع صيغة واحدة منذ انطلاقه، النصف ساعة الأول للجريمة التي تكون جريمة قتل عادة وتتبعها تحقيقات الشرطة (القانون) إلى لحظة القبض على المتهم، ثم في النصف ساعة الثاني يحول المتهم إلى النيابة (النظام) حيث تتم محاكمته.
مؤلف المسلسل ديك وولف استلهم من القضايا التي قرأها في عناوين الصحف وخلق منها قصصا لحلقات مسلسله. تفرعت من هذا المسلسل عدة أعمال أخرى حملت اسمه إلى جانب اسمها الفرعي واتخذت من ولايات أخرى مثل لوس أنجليس كمسرح أحداث لها مستغلة الفروقات في القوانين بين الولايات الأميركية.
_______
*البيان