بلال شحادات
يعالج المسلسل الأميركي «البرهان» Proof، أحد أكثر المواضيع الإنسانيّة غموضاً، وهو موضوع ما بعد الموت. تعرض شبكة «تي أن تي» حالياً حلقات الموسم الأوّل من العمل، ويستعرض الجدل القائم بين العلم والدين في ما يخصّ «الحياة الثانية».
المسلسل من ابتكار الأميركي روب براجين الذي سبق وكتب مسلسلَي «غريك»، و Army Wives. وهو من بطولة الممثلة جنيفر بيلز بدور الطبيبة كارولين تايلر، وماثيو مودين بدور الملياردير المصاب بالسرطان والباحث عن سرّ الحياة ما بعد الموت. تبدأ قصة المسلسل من هنا، إذ يُصاب المخترع التكنولوجي والملياردير ايفان تورينغ بورمٍ خبيث، ويتحوَّل جلّ اهتمامه إلى معرفة ماذا سيجري له بعد موته. فهل من حياة أخرى بعد الموت، أم لا؟ يدفعه ذلك القلق اليومي إلى البحث المتعمّق وجمع كل الدراسات التي عالجت أو حاولت الإجابة على السؤال نفسه، لكنه لا يصل إلى جواب شافٍ.
يقع اختياره على الدكتورة كارولين من بين كل الأطباء الذين التقى بهم، ذلك لأنها عانت من موت ابنها حين كان في سن الخامسة عشرة، بالإضافة إلى نجاحها. يطلب منها إجراء بحث علمي على حالات معينة للوصول إلى إجابة واضحة عمّا بعد الموت، مقابل تنازله عن كل ممتلكاته لها، والتي تصل إلى 10 مليارات دولار تقريباً.
ترفض الدكتورة كارولين ذلك العرض المغري في بادئ الأمر، لكنها سرعان ما توافق رغبة منها في إيجاد طريقة للوصول إلى ابنها أو معرفة ماذا جرى له بعد موته. ومن هذه النقطة تنطلق أحداث المسلسل، ضمن خلطة درامية يطغى عليها التشويق داخل نسيج الإيقاع الهادئ والمليء بالمفاجآت ونقاط الالتباس الجذّاب. ولا يغيب عن كلّ حلقة الجدل الدائر في تفسير كلّ ظاهرة من الناحية العلميّة، وفي الوقت نفسه من الناحية الروحانيّة.
وخلال الحلقات الأربع الأولى التي عُرضت حتى الآن، يستعرض المسلسل عن طريق الطبيبة كارولين كلَّ الحالات المحتمل وجودها في العلاقات الإنسانيّة، ضمن تجارب واقعيّة مع أشخاص ماتوا وعادوا إلى الحياة لأسباب عدّة، أو أشخاص ما زالوا على علاقة مبهمة بمن صاروا في عداد الموتى.
في الحلقة الأولى يستعرض العمل قصة طفلة تعاني من ورم في الدماغ، نجت من الموت، واستطاعت أن تتواصل مع أرواح أشخاص عاصروا أفــراد عائلتها الذين لم ترهم قط. وصارت ترسم على الورق صورهم وأشكالــهم مما أثــار حفيظة كارولين وحفيظة والديها.
وفي الحلقة الثانية، يستعرض المسلسل قصّة رجل يعيش مع طــيف زوجــته التي ماتــت منــذ مدة طويلة، لدرجة تحوّل إلى شخص مريض وخاضع لذلك الطيف. وفي الحلقة الثالثــة نشــاهد شخصين لا يعرفان بعضهما البعض، ولكنّــهما يعيشــان في ماضٍ واحد، ويتشاركــان فــيه التفاصيل ذاتها. أما في الحلقة الرابعــة فيــتم إنقاذ رجــل من الموت، شاهد خلال فترة موته القصير، أحــداث موت فتــيات لا يعرفهنّ.
لا نعرف إن كان المسلسل سيجد «البرهان» على وجود حياة تنتظرنا بعد الموت، وبالرغم من أنّه يعالج موضوعاً شائكاً، إلا أنّه يحاول أن يبسّط ويشرح ويطرح الجدل الدائر بين العلم وبين الدين. كما يقدّم قراءة لكل الظواهر المثيرة حول خفايا ما بعد الموت، بطريقة سلسة وجذابة لا تخلو من التشويق في كل مشهد وفي كل حلقة.
وبالرغم من أن معظمنا يتبنّى وجهة نظر ثابتة عمّا بعد الموت، بناء على ثقافته أو انتمائه الديني أو الفكري أو الفلسفي، لكن لا مانع من الإطلاع على تجارب وخبرات أخرى، فإن لم تكن مُقنعة فهي على الأقل تدفعنا إلى ترسيخ عقيدتنا، وإن كانت عكس ذلك، فهي قادرة على تغيير نظرتنا وتوسيع مداركنا للبحث عن حقائق أكثر رسوخاً وإقناعاً.
السفير