قال الناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، إنه يعرف صبحي موسى منذ سنوات طويلة، ومتابع لمشروعه الثقافي منذ بدأ شاعراً فأنجز عدداً من الدواوين المهمة في إطار قصيدة النثر، حتى فاجأنا بكتابته الرواية، وتأكدت خطواته فيها بنشره أكثر من عمل جاد ومهم.
وأضاف إسماعيل أن مشروع موسى الروائي يكاد ينطوي على مشروع تاريخي واضح، تأكد من خلال روايته قبل الأخيرة “اساطير رجل الثلاثاء” التي رصد فيها واقع جماعات الإسلام السياسي ومنطلقاتهم الفكرية والثقافية الحاكمة لرؤيتهم في الحياة، وهو رصد مبكر للواقع الدامي الذي نعيشه الآن، ثم كانت روايته الأخيرة “الموريسكي الأخير” التي تعد واحدة من الروايات المهمة التي اعتمدت على تقنية تفتيت الزمن، إذا يتعدد الزمن إلى درجة التفتيت، وقد لعب موسى على فكرة الخطين المتوازيين ـ القديم والحديث ـ معا طيلة النص، محاولاً ليس استعراض التاريخ ولكن فهم الواقع الذي نعيشه الآن، معرفة تكويننا الثقافي الذي يحكمنا فيجعلنا نتخذ اتجاه دون عينه، وننحاز إلى فكرة دون أخرى، وهو ما سعى إليه موسى في روايته الساعية لكشف ما الذي جرى للثورة المصرية من خلال ما جرى للموريسكيين قديماً.
وأوضح إسماعيل أن هذه ليست رواية بكائية لكنه رصد فني محايد لفكرة إنسانية تماماً وهي فكرة الجيتو، وكيف يتكون وبما يعتقد وفيما يفكر وما الذي يصيبه من أزمات وما الذي يحكمه في الوعي والتفكير، هذه رواية إنسانية بدرجة كبرى حتى وإن اختفت خلف إدعاء جدران التاريخ.
بينما تحدث الشاعر عماد غزالي عن أن رواية “الموريسكي الأخير” رواية مهمة بالفعل لكنها لم تخل من هنات، كأن يستخدم المؤلف في أحد المشاهد كلمة دالت وهو يقصد كلمت آلت، وكأن يرصد في الفصل الأول مشهد هبوط الإف 16 على ميدان التحرير مصوراً بطل العمل وهو يطل برأسه من شبك الطائرة لقائدها، أو أن قائد الطائرة يراه من خلال شاشة أمامه، وهذا خطأ علمي.
وقال الغزالي إن الرواية بالفعل ترصد واقع الموريسكيين وكيف تشتتوا من بلادهم، وأن هذه واحدة من الماسي الإنسانية الكبرى في التاريخ، وأن المؤلف بذل جهداً كبيراً في رصد تاريخ الموريسكيين على مدار نحو خمسمائة عام، وما الذي حدث لهم خلال هذه السنين الطوال.
أما الناقد الدكتور أحمد الصغير فقال إنه ينحاز لصبحي موسى كروائي أكثر من شاعر، حتى وإن رأى آخرون العكس، فكل يرى وفقاً لثقافته ورؤاه، وأنا أجده تمكن من أدوات الرواية أكثر من الشعر، وأختلف مع ما قاله عماد غزالي، فالمشهد في الفصل الأول هو مشهد فنتازي يحتمل التأويل أكثر من هذا، ولا يمكن اعتباره مأخذ على النص، فنحن أمام واحدة من الروايات الكبرى، استخدم فيها الكاتب أكثر من تكنيك، ورصد العديد من الوقائع التاريخية، وانشغل بخلق عالم أسطوري كبير يتلائم مع الحدث الكبير الذي يرصده، وكانت له فلسفته في استخدم كل هذه التقنيات، فقد استخدم ضمير الأنا أثناء رصده للماضي، وذلك على لسان محمد بن عبدالله بن جهور، بينما استخدم ضمير الأنا وهو يرصد الواقع الراهن من خلال حكيه عن مراد بن يوسف بن حبيب الموريسكي، وهو آخر الأحفاد والموريسكيين المنحدرين من صلب عبدالله بن جهور.
وأضاف الصغير: اخترع موسى معادلات فنية مهمة كأن يجعل من روح أو شبح عبدالله بن جهور بمثابة العين الراعية للموريسكيين المنحدرين من نسله، وكأن يجعل من مراد رساماً تشكيلياً مثلما كان جده محمد بن عبدالله بن جهور نحاتاً للتماثيل في طليطلة، وهي رواية لا يمكن الوقوف أمامها سريعاً، إذ أنها غنية بالتفاصيل والوقائع والعوالم والشخصيات والأساليب والتقنيات، وقد بذل فيها موسى جهداً كبيراً في إنجازها على هذا النحو الفاتن.
وقال الناقد الدكتور محمد زيدان إن هذه الرواية بمثابة بكائية كبرى لواحدة من المآسي التاريخية المؤلمة، وقد حشد فيها المؤلف التراجيديات التي تجعلنا نشعر أننا أمام بكائية لهذا الماساة، لكن موسى تمتع بالذكاء الفني الذي جعله يخلق نصاً حيادياً، فضلاً عن انشغاله بالعديد من القضايا الثقافية، خاصة مسألة البحث عن الهوية، تلك التي سعى الكاتب لتتبعها عبر مسار عائلة الموريسكي، وكيف انحدرت من عبدالله بن جهور إلى أن وصلت إلى الموريسكي الخير مراد يوسف حبيب،
وأضاف أن الرواية لا تدعونا للبكاء بقدر ما تدعونا للتأمل ومعرفة واقعنا الراهن وموقفنا الثوري، كما تدعونا لتأمل مستقبل الربيع العربي على وقع ما جرى في الأندلس.
في النهاية تحدث الكاتب صبحي موسى عما أسماه بأسرار الموريسكي، موضحاً أن كل عمل له أخطاؤه وهناته، ولا يوجد عمل مكتمل، ومن ثم كانت تفكيره في أن يكون هذا الحفل بمشاركة الذين قرأوا العمل قبل نشره وبعد نشره، كي يوضحوا لنا كيف يتطور العمل الإبداعي، وكيف يستجيب المؤلف للملاحظات أو يرفضها، لكن الأمر لم يسر كله وفقاً لما تمناه أو تصوره.
وأضاف أن هذا العمل معني بمناقشة فكر الأقليات وإشكالياتهم الثقافية، فضلاً عن أنها رواية البحث في الموقف من التراث، هذا الذي يشبه غرفة مليئة بالكرايب لا نعرف ما الذي نحتاجه منها وما الذي لن نحتاجه، لكننا نحملها كلها على أكتافنا ونمشي بها طيلة الوقت، من ثم فنحن بحاجة إلى معرفة موقفنا النقدي من تراثنا، هذا الذي يتحكم في خطواتنا إلى المستقبل، والذي يحكمنا منذ جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر، فالبعض يكلمنا عن العودة للسلف الصالح كي ننهض، والبعض يحدثنا عن الأخذ بآليات النهضة الحديثة، ومازل هذان الاتجاهن يتصارعان، هناك أيضاً أفكار مثالية كالنقاء العرقي، وبعض القبائل مازالت تحرم الزواج من غيرها، مما يجعلهم راغبين في خلق أساطير تحافظ على هذه القوانين، وهي أساطير معطلة للتطور الثقافي، هناك أفكار مثالية عن النقاء الديني أو الصواب الديني، وكل فترة يأتي أناس يزايدون على غيرهم بأنهم الأصوب والأكثر إيماناً، كما يفعل الداعشيون الآن، وكما فعل محمد بن عبدالوهاب، وكما فعل الموحدون الذين زايدوا على المرابطين في الأندلس، ودخلوا في حروب ضارية معهم، واستعانون بالأسبان عليهم، وفرطوا في الثغور الأندلسية في مقابل أن يساعدهم الأسبان أو القشتاليون في الانتصار على المرابطين، وهذا ما يحدث الآن، وهذا مأزق الخريطة العربية في لحظتنا الراهنة، ومن ثم فالموريسكي الأخير ليس فقط رصد لمأساة أناس يجب أن يتم رد اعتبارهم ومنحهم حق العودة لبلادهم ولكنها أيضاً محاولة فهم الصناديق السوداء في تاريخنا، ومعرفة الأخطاء المختفية في عقله الباطن وكيفية تحكمها في تفكيرنا الراهن ونحن نتخذ قرارنا بشأن مستقبلنا وواقعنا المعاش.
يذكر أن المركز الدولي للكتاب شهد حفل توقيع رواية “الموريسكي الأخير” للكاتب المصري صبحي موسى، بحضور عدد من الكتاب والنقاد والمثقفين المصريين، من بينهم الناقد الدكتور هيثم الحاج على نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، والناقد الدكتور أيمن بكر، والدكتور عايدي على جمعة، والكاتبة زينب عفيفي، والدكتورة رنا العزام، والكاتب سامح فايز والشاعر سيد محمود رئيس تحرير جريدة القاهرة، والناقد عمر شهريار والكاتبة سهى زكي، والشاعرة جيهان عمر وآخرين، وأدار اللقاء الكاتب الصحفي محمد الحمامصي.
ميدل ايست أونلاين