اليباب في ‘الثُعبان والزنبقة’


قيس مجيد المولى

تجتمع في مخيلة نيكوس كازنتزاكي الكائنات الحية التي ليست على ود بعضها مع البعض الآخر، وتجتمع أيضا في مخيلته لوازم تلك الكائنات إن كانت تلك اللوازم كحقائق أو مرجعيات أسطورية، ولاشك أن تلك المكونات قد شكلت له اختيار الصوت الذي يريد للتعبير عن الوساوس والأشياء المسحورة التي تخلق الموت.

وقطعا لا يمكن أن يترُكَ تلك الأشياء بمشاهدها المعتادة حيث يبدأ ضمن إرسالية مشاهده من تقريبها من عدسته المكانية ضمن مؤثرات بيئته وما تحفل به تلك البيئة من آثار الوقائع وتقديس الآلهة وأناشيد البوح بالحب ومقاتلة الوحوش الكاسرة في حلبات القتال من أجل الحبيبة.
إن تأهيل البطولة عند كازنتزاكي يستند الى مفهوم وحدانية الجسدين (جسد المرأة وجسد الرجل) فلا بد من نهاية مشتركة إن انتهى أحد الطرفين لأي سبب كان، فلا بد أن يتفقا سوية للرحيل عن الحياة، ويبدو أن الثعبان والزنبقة أرادت أولا تجريم العالم الحسي وتأكيد العزلة كحالة للشعور بالحرية ومواجه الخراب بأي طريقة كانت.
يبدأ كازنزاكي في هذه الرواية التي تعد من أول أعماله والتي كتبها تحت الإسم المستعار “كاراما نيرفامي” يبدأ برسائله التي كتبها بدءا من 2 إلى 25 مارس/آذار وأهداها للحبيبة توتاي، في هذه الرسائل تختفي الى حد ما تلك الرؤى السحرية وتختفي التوسلات الى الآلهة الرمز ويغادر كازنتزاكي الأسطورة كـ كيان وكـ دالة فتنفلت روحه نحو مفردات ذات دلالات تأملية لتطويع رغباته للإستمرار بالإنتظار:
“برفق اندفعت بعيدا في روحي
بغرور وغطرسة الورد
وشوق اللبلاب
لإلتماس البنفسج الخجول والصامت
أنتِ تقومين بمغامرة في روحي،
كنت بانتظارك،
مثل الأرض الجامدة
بانتظار
آلام عزلتها الشتائية”.
هنا نجد أن كازنتزاكي يبدأ من نقطة ما من مساحة العاطفة في الإدراك التخيلي مستخدما مقومات إدامة الأزمة النفسية والتي تعني هذه الأزمة أنها ردود أفعال لعالم يعيش يبابه المقرِف والذي لايرى فيه أي فكرة صالحة للإستخدام:
“كرهت أن أكتب شيئا،
وحين أكتب،
لماذا كتبت،
أريد أن أبلور حكاية
مليئة بالإنفعال وأوهام الخيال”
أن نيكوس يرى أن العالم نصفان، كل شيء في الطبيعة له نصفه الآخر. ولا بد لكل نصف أن يلتف مع نصفه في فراش الزوجية.
نجد في تلك الرسائل إستدراجا للموت وإحالته الى شكل من أشكال السعادة فهو يرى ويروي أن هناك في “الأعالي” ثمة فرح في ليل القبور.
وآلاف العنادل التي تغني في أشجار السرو،
وأن جمجمة الميت
هي أجمل رمز للحب،
وهناك تكتب رسائل بلغةِ عالمٍ آخر،
لاشك أن هناك فعلا ما، مؤثرا ما جعل الشاب نيكوس كازنتزاكي يكتب بهذا اليأس وهذه الظلامية، ربما بسببِ تجربة غرامية فاشلةٍ أرهقت كيانه وعزّلَتهُ في تلك الفترة عن العالم المضيء وألزمته يبابه المُقرف، ربما شعوره الحقيقي في ذاته بفقدانه لحريته، ربما خلقت له أوهامه الرغبة في الفرار من العالم.
وما بين تلك الرسائل نجد أن هناك مجموعة من المتضادات التي تهيء للإفتراض لذلك السبب أو هذا، وتهيء أن كازنتزاكي في “الثعبان والزنبقة” قد أنتج عملا طيباَ وبليغاَ في تناوله لمواضيع ذات أثر إنساني باعث في هذا الأثر نشوته الجمالية وروابطه الإيصالية المُمتعة.
ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *