الوكيل الأدبي.. مظلة الكاتب


*إبراهيم حمزة

رغم ازدياد عدد الكتاب العرب بصورة ظاهرة، فإن وجود «الوكيل الأدبي» في الوطن العربي أمر نادر تماماً، ربما وجدنا مساعدين وقراء لدى كتابنا الكبار، مثل الحاج صبري مساعد نجيب محفوظ، ومن قبله أحمد شوقي، والذي لعب معه سكرتيره أحمد أبو العز دوراً غريباً إن صدق ما رواه في كتابه: «اثنا عشر عاماً في صحبة أمير الشعراء» حين يروي أن «شوقي» طلب منه وصف البحر، وأمهله وقتاً، وعاد إليه وسأله عما كتبه فقال كلاماً أعجب شوقي منه قوله: «رباه أماء وسماء أم شقا صدف» ثم طلب منه شوقي أن يكتب ما يمليه عليه ومطلعه:

وكأن السماء والماء شقا صدف حملاً رفيفاً ودراً ودرا
الوكيل الأدبي أمر مختلف تماماً، إنه وسيط بين الكاتب وجهة النشر، وقد سألنا كاتبة، حصلت على عدد كبير من الجوائز العربية المتميزة، فقالت إنها لم تسمع مطلقاً بتعبير الوكيل الأدبي، مؤكدة «اتركها على الله» ولم تشأ ذكر اسمها لأن غايتها الأولى هي تجويد كتابتها، وقد وجدنا كاتبة إنجليزية هي «جوان آيكن» تتحدث في كتاب لها صادر منذ أكثر من ثلاثين عاماً، عن دور وكيلتها الأدبية في أحد كتبها وتنصح الكتاب: «بضرورة أن يكون لديك وكيل أدبي»، وتلخص مهامه في «تحسين شروط الناشرين، ومراجعة الاتفاقات، وتقديم الاقتراحات لمنافذ بيع جديدة».
البقرة الحلوب
تقول «جوان أيكن»: إن وكيلتها الأدبية «جين لي روا» قد كتبت دليلاً صغيراً ممتازاً للتأليف للمجلات والمسلسلات، تحت عنوان «بع لهم قصة» حثت فيه الكتاب الذين كانت تتولى أعمالهم، وكان بعضهم مرموقاً، على أن يعودوا أنفسهم على كتابة ست صفحات يومياً على الأقل، كان شعارها «لابد أن تبقى الكتابة متدفقة وإلّا ستنضب، مثل البقرة تحتاج إلى الحلب»، وقد قالت لها وكيلتها إن وقت فراغك سيتسع دائماً بطريقة سحرية. أما في وطننا العربي، فيرى د. أمير تاج السر ضرورة وجود هذه الوظيفة مؤكداً: «نعم.. الكاتب بحاجة لوكيل يروج لأعماله قبل وبعد النشر، وأيضاً للترجمة للغات أخرى، وهو مختص لتخليص حقوقه من الناشر، وباختصار فإن الكاتب من المفترض أن يتفرغ لكتابته بعيداً عن المشاغل الأخرى». أما الروائي إبراهيم فرغلي فيقول: «صحيح أن الكتابة والتأليف في الوطن العربي لا تحقق دخلاً كافياً للكاتب لأسباب عديدة مما يعوق فرص وجود وكيل أدبي، لكن وضع الوكيل يمكن أن يتوافر بشروط وقوانين جديدة توفر الظروف المناسبة لأداء هذه المهمة الضرورية في المستقبل القريب، خصوصاً أن هناك الكثير من الكتاب الذين توزع اليوم كتبهم بشكل جيد، واحتياجهم الوكيل أصبح ضرورة حقيقية».
تجارب عابرة
من التجارب النادرة في وطننا العربي تجربة الكاتب علاء الأسواني، وإن كانت تجربة مقلوبة، بمعنى أن الوكيل هو من بحث عنه، يقول وكيله الشهير«أندرو وايلي» وهو أحد أبرز الوكلاء الأدبيين المعروفين على مستوى العالم، فهو يمثل من خلال وكالته التي تحمل اسمه 700 كاتب على مستوى العالم منهم علاء الأسواني الذي لا يخفي وايلي لحظة واحدة مدى ولعه واهتمامه بأعماله الأدبية التي قادته قراءتها في الولايات المتحدة إلى زيارة مصر للقاء الأسواني لإقناعه بتمثيله من خلال وكالته.
يقول في حوار معه: «جئت إلى مصر في المرة الأولى للقاء علاء الأسواني، بعد إعجاب واهتمام شديدين بأعماله الأدبية، وتحوّل هذا الاهتمام إلى رغبة حقيقية في التعرف على هذا الكاتب العربي المؤثر، ولذلك جئت إلى مصر للقائه، بالرغم من أن الوصول إليه آنذاك كان صعباً، فقد التقينا، وبالفعل استمر الحديث حتى منتصف الليل واتفقنا على أن تمثله وكالتي».
أما الدكتور أمير تاج السر فيذكر: «شخصياً كان لدي وكيل إيطالي لكنه لم يكن قوياً وتركته، وأرى أن هذه الوظيفة يجب أن تُفّعل في الوطن العربي، وأعتقد أنه سيأتي يوم وتُفّعل فيه مع ظهور أجيال جديدة تتبنى أفكاراً جديدة سواء من الكتاب أو الناشرين أنفسهم».
ومن الناشرين تتميز الدكتورة فاطمة البودي في مصر بقدرتها على الترويج للكاتب، ما يعني أنها تختصر دور الوكيل، لكنها تقول: «الوكيل الأدبي مهنة مهمة جداً في صناعة النشر وهي الحلقة المفقودة في صناعة النشر في الوطن العربي، الوكيل الأدبي يكمل دور الناشر، ويكون حلقة الوصل بين الكتّاب وبين الناشر، وبهذا يوفر عبئاً كبيراً عليه، كان لي تجربة شخصية في العمل كوكيل أدبي لكتاب الدار.. ولكن التجربة لم تكن ناجحة لأن مهنة الوكيل الأدبي لها متطلبات كثيره منها توفير معلومات غزيرة عن المؤلف وعن الكتاب محل التسويق وإعداد الأفلام الدعائية والملصقات اللازمة لتكمّل عمله لبيع حقوق الترجمة مثلاً للغات مختلفة».
تقول: «الحقيقة وجدت أنه من الصعب على الجمع بين مهنة النشر والعمل كوكيل أدبي، بعض الدور انتبهت مؤخراً لأهميته، وبحكم الاختلاط في المعارض الدولية أظن أن هذه المهنة ستجد طريقها إلى الانتشار. ولذا يرى الروائي إبراهيم فرغلي أنه لم تعد أطراف صناعة النشر الرئيسة كافة مثل المحرر الأدبي لدور النشر والوكيل الأدبي للمؤلف ترفاً بل ضرورة لا غنى عنها اليوم من أجل تطوير شكل العلاقة الراهن بين المؤلف والناشر، إضافة لمشكلات شكاوى المؤلفين من عدم التزام الناشرين بحقوقهم لديهم، فأغلب الكتاب العرب يعانون من ضيق الوقت اللازم للكتابة، ومع ذلك يجد نفسه مضطراً لممارسة أدوار عديدة لا يفترض أن يقوم بها أساساً، فهو يعمل على ترويج كتابه بنفسه والبحث عن منافذ للتوزيع بدلاً من الناشر، وحتى البحث عن فرص للترجمة، وغيرها من أدوار يفترض أنها من مهام الناشر، وقسم التسويق لديه، إضافة إلى عدم معرفة أغلب الكتاب العرب بالظروف القانونية للنشر والتعاقد مع الناشرين وحقوق الملكية، ما يتسبب في هدر الكثير من حقوقهم بشكل بالغ القسوة ما يحتم وجود وكيل أدبي ضليع في معرفة قوانين التأليف والنشر والملكية الفكرية في الوطن العربي والغرب، وقادر على التعامل مع جهات النشر الأجنبية والترجمة، وعارف بظروف وقدرات دور النشر المختلفة وإمكاناتها، ومتمكن من أداء دور مؤثر في توفير فرص النشر الجيد والتسويق والتوزيع والترجمة لأعمال موكله، وبحث سبل توفر فرص تحويل العمل الأدبي إلى أشكال أخرى.
_____
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *