*هيثم حسين
يوضع الانتحار في خانة الفعل المحرّم، ويكون المقدم عليه قد وصل إلى درجة معيّنة من القناعة، ونقطة إشباع لا تقبل الجدال لديه بوجوب تنفيذ رغبته التي تهيمن عليه وتتملّكه وتعميه. والانتحار فعل متعدّ على الحياة، معاداة لها، وحتّى باعتباره موقفا احتجاجيّا فإنّه لا يخلو من استنكار متعاظم، كما لا يضع نهاية للهدف الذي يسعى إليه بل تراه يخلق زوبعة تثير أسئلة كثيرة لا تعثر على إجابات شافية مهما اختفت وتباينت.
هناك عدد من حالات الانتحار الشهيرة في تاريخ الأدب، إذ يكون الكاتب المنتحر محتجّا إلى درجة التضحية بحياته -إن جاز توصيف الحالة بالتضحية- ليعلن للآخرين أنّه ما كان ليقدم على هذا التصرّف لولا الظروف التي تسبّبت في إيصاله إليها، ومن هنا يكون مسعاه التالي الذي يفترض أن يحرّض عليه الانتحار، وهو العمل على إيقاف ما يمكن أن يعمّ إثرها من حالات مشابهة.
يكتسب انتحار الأدباء أبعادا مختلفة عن انتحار أناس عاديين، وذلك لما لهم من حضور وتأثير، والخشية تكون أن يتمّ الاقتداء بهم من قبل بعض المتأثّرين بهم.
يمكن تذكّر حالات انتحار كثيرة لكتّاب بلغوا مستويات رفيعة في عالم الكتابة والأدب، وحقّقوا إنجازات لافتة، كانتحار الكاتب اليابانيّ ميشيما، والطريقة الكرنفاليّة التي نفّذ بها عمليّته الدمويّة بحقّ جسده، ووضعه النقطة الأخيرة في كتابته بقلم دامٍ. ثمّ التعليقات التي لا تزال تبحث عن السرّ الذي دفعه إلى ذلك، سواء من باب التخمين أو التأكيد أو التوثيق. وكذلك انتحار مواطنه ياسوناري كواباتا الحائز على نوبل للآداب. كما يخطر في البال انتحار النمساويّ ستيفان تسفايغ مع زوجته في منفاه، ووصف الانتحار من قبل زملاء له بأنّه “عمل جبان”. وكذلك انتحار أرنست همنغواي يعدّ واحدا من أشهر الكتّاب المنتحرين.
لعلّ الانتحار الأشهر عربيّا هو انتحار الشاعر خليل حاوي، وما يغلّفه من ملابسات تدعو إلى النبش عن الفعل الواضح لدرجة الغموض، الانتحار الذي كان موقفه الحياتيّ الأخير الأكثر دمويّة وعنفا.
بغضّ النظر عن إجراء سبر في الخفايا التي تدفع إلى الفعل العنيف، فإنّ الانتحار يظلّ نحرا للحياة، ولغزا بشريّا يحرّض على الكشف عن أسراره وعتماته، ويوجب مغالبة الذات ومجاهدة الرغبة في إنهاء الحياة تعكس يأسا قاتلا يراد له أن يكون دفعا نحو فعل التغيير المنشود، وهنا لا يهمّ موت الشخص بل حياة الفكرة التي يحاول ترسيخها، وقد لا يعني الأمر سوى حالة جنون تدفع صاحبها إلى التخلّص من أعباء الحياة وضغوطاتها المريرة.
________
كاتب من سوريا مقيم في لندن/ العرب