عنقاء أميركا اللاتينية



*د. محسن الرملي


فتنة خضراء
فتنة خضراء هي الحياة الإنسانية
أمل مجنون، خَبَل مُزخرَف،
حلم اليقظين الشائك.
إنكِ كالأحلام، خالية من الكنوز!
ما روح العالم إلا شيخوخة نضرة،
خُضرة عاجزة مُتَخَيَّلَة…
واليوم الذي ينتظره المحظوظون
ما هو إلا غدٍ سيئ الحظ.
يتبعون ظلكِ بحثاً عن يومكِ
أولئك الذين يرتدون نظارات خضراء،
يرون كل شيء مصبوغ وفق هواهم.
أما أنا، الأكثر تعقلاً، من حسن حظي،
لديَّ في كلتا يديّ عينين
فلا أرى سوى الذي ألمسه.
العقل ضد الرغبة
في الجاحد الذي يهجرني، أبحث عن عشيق
والعاشق الذي يتبعني، أهجره جاحدة
دائماً أعشق الذي يسيء معاملة حبي
وأسيء معاملة الباحث عن حبي دائماً
الذي أعامله بحب سيجد جوهرة
وأنا جوهرة للذي سيعاملني بحب
أريد أن أرى من يريد قتلي منتصراً
وأقتل الذي يريد أن يراني منتصرة
إذا كنت لهذا أدفع الثمن، سأكابد رغبتي
وإذا كنت لذاك أتوسل، سوف تهان كرامتي
وفي كلا الحالتين أرى نفسي غير سعيدة.
ولكنني أنتقي من هؤلاء أفضل ما فيهم
مِن الذي لا أحبه، عنف المعاملة
ومِن الذي لا يحبني، غنيمة تافهة.
مواجهة للوحة بورتريه
هذا الذي تراه، خدعة ملونة
ومن الفن المتباهي ثمة ما هو إتقان
بالقياسات المنطقية الزائفة
بينما هو خداع حذر للحواس.
هذا الذي قَصَد المجاملة،
وتبرير سنوات الرعب،
هزمته قسوة الزمن،
انتصار الشيخوخة والنسيان.
إنها خدعة لا تجدي الحذرين
إنها وردة ضعيفة أمام الريح
إنه احتراس عبثي من القدَر.
إنه جهد تافه ضائع
إنها حماسة فانية وبجلاء
إنها جثة، غبار، ظل.. إنه لا شيء.
شكوى من الانضباط.. تبرير اللعب
ما الذي تبتغيه أيها العالم من مطاردتي؟
بماذا أضرّك حين أحاول فقط
أن أصنع الجمال بتسليتي
وليس تسليتي بالجمال؟
أنا لا أسعى للكنوز ولا للثراء
لذا يزيد سروري دائماً
أن أضع الثراء في تسليتي
وليس تسليتي في الثراء.
ولا أسعى لجمال، مهزوم..
ففي النهاية هو مجرد فضلات العمر،
ولا تسرني الثروات الخادعة.
إنه لمن الأفضل، وفق حقائقي،
استهلاك أباطيل الحياة
بدل استهلاك الحياة بالأباطيل.
مراقبة أخلاقية لوردة ومن خلالها لما يشبهها
أيتها الوردة الإلهية التي في حضارة مهذبة
أنت وبأريجك الرقيق،
أستاذة أرجوانية في الجمال.
تعليم هاطل على الحُسن،
تهديداً لهندسة الناس،
نموذجاً للروعة الفانية.
جمعتِ في كينونتك الطبيعة
المهد الفَرِح والقبر الحزين.
ما أكثر الشموخ في أبهتك، متباهية،
متعالية، تزدرين خطر الموت
وبعدها مغمى عليك وذابلة.
عبر كينونتك قصيرة العمر تشيرين إلى العلامات.
موت عارف وحياة فانية
تعيشين خادِعة وتموتين مُعَلِّمة.
تأمل عاقل لأوجاع العشق
مع أوجاع الطعنة القاتلة
من قبل حب مهين أتأسى عليه
وبانتظار مجيء الموت
وددتُ لو أنني أكثر نضجاً.
كل روح تتمتع بالشر
تزداد أوجاعها حسرة بعد حسرة
وعند التمعن في كل ظرف
تطغى ألف ميتة على الحياة الواحدة
وعندما تحث توالي الضربات
ينهزم القلب متوجعاً
معلناً بالإيماءات أنفاسه الأخيرة.
لا أدري مع أي مصير مدهش
عدت إلى رشدي وقلت: لماذا أتعجب؟
فمن ذا الذي كان بالحب محظوظاً؟.
الرجال الحمقى
أيها الرجال الحمقى
يا من تتهمون النساء بلا وجه حق
دون أن تروا بأنكم أنتم السبب
في ذاك الذي تتهمونهنَّ به.
إذا كنتم بقلق لا مثيل له
تلتمسون الكبرياء
فلماذا تريدون منهنَّ حسن السلوك
إذا كنتم أنتم من تحرضونهنَّ على السوء؟
تكافحون ضد مقاومتهنَّ،
وبعد ذلك.. وبكل وقار
تقولون، إنها قد كانت مجرد شهوة
تلك التي دفعتكم إلى ذلك.
إن اندفاعكم هذا ليبدو
كما يبدو لكم الطفل مجنوناً
حين يجسد صورة الغول
ثم يخاف منها!
تريدون بغطرستكم البلهاء
أن تجدوا ما تبحثون عنه
كي تتغزلوا بـ (تاييس)
وتحوزا على (لوكريثيا)
فأية سخرية أكثر غرابة..
من ذاك الذي تنقصه النصيحة
هو بنفسه قد غطى المرآة
ثم يشعر بانها غير صافية!
على الرغم من الجاه والأنفة
فأنتم جميعاً سواسية.
تشتكون منهنَّ إذا عاملنكم بجفوة
وتسخرون منهنَّ إذا عاملنكم بطيبة.
لا رأي لإحداهنَّ يفوز
مع أن آرائهنَّ أكثر تحفظاً.
إذا لم تستجب لكم إحداهنَّ فهي جاحدة
وإن استجابت فهي فاجرة!.
دائماً تمضون حمقى
مع أن مستوياتكم متباينة،
تتَّهمون إحداهنَّ لأنها صعبة
وتتَّهمون الأخرى لأنها سهلة.
وإلا لماذا دائماً ترتجف
تلك التي تلتمس محبَّتكم
إلا لأنكم تشتمون الجاحدة
وتغضبون على السهلة؟
ولكن لأن ما بين الغضب والحسرة
يكمن ذلك الذي يعجبكم،
فتفعل خيراً تلك التي لا تحبّكم
ولتشتكوا.. مبروك عليكم.
إن عشيقاتكم ليثِرْنَ الأسف
حين يطلقنَ لكم أجنحة الحرية،
فبعد أن تسيئوا إليهنَّ
تريدون منهنَّ أن يكنَّ طيِّبات.
أيُّهنَّ أكثر ذنباً
من بين هاتيْن الحائرتيْن:
تلك التي تسقط متوسلة
أم تلك التي تتوسل أن تسقط؟
أو أيُّهنَّ تستحق الإدانة أكثر،
علماً بأن الاثنتيْن مذنبتيْن:
أتلك التي تذنب من أجل الدفع
أم تلك التي تدفع من أجل الذنب؟
إذا فلماذا تفزعون
مِنْ ذنبٍ هو ذنبكم؟
فإما أن تريدوهنَّ كما جعلتموهنَّ
.. أو أن تجعلوهنَّ كما تريدونَّ.
هي أشهر وأهم شاعرة كتبت باللغة الإسبانية على مر العصور، أقيمت لها التماثيل والنصب في بلدها المكسيك وفي أغلب البلدان الناطقة بالإسبانية وأطلق اسمها على مئات الأماكن من شوارع وجامعات ومدارس ومؤسسات وأقيمت باسمها الكثير من المسابقات والجوائز، كما لم تحظ أعمال أية شاعرة سواها بكثرة الدراسات والتدريس الذي حظيت بهما أعمالها وسيرتها بما في ذلك الشاعرة الوحيدة الحائزة على جائزة نوبل من شاعرات اللغة الإسبانية ألا وهي الشاعرة والدبلوماسية التشيلية غابرييلا ميسترال (نوبل 1945)، ويكفي أن نذكر بأن واحدا من كبار شعراء نوبل بالإسبانية وهو أوكتافيو باث قد أمضى فترة من عمره يعرف ويدرس أعمالها وسيرتها في الجامعات وفي وسائل الإعلام وكتب عنها واحداً من أهم وأطول كتبه النقدية (675 صفحة) بعنوان (سور خوانا إينيس دي لا كروث.. مصائد الإيمان).
ولدت «خوانا إينيس دي أسباخي إي راميريث دي سانتيانا»، المعروفة باسم «سور خوانا إينيس دي لا كروث» Sor Juana Inés de la Cruz، لاحقاً بعد توجهها للرهبنة ودخول الدير، من أب أسباني وأم كريولية (ولدت في أمريكا اللاتينية من أصول أسبانية)، في ما كان يعرف بمملكة «إسبانيا الجديدة» التابعة للإمبراطورية الإسبانية إبان فترة الاستعمار، في منطقة واقعة في دولة المكسيك الحالية، في القرن السابع عشر عام 1651.
ظهر نبوغها منذ أن كانت طفلة، حيث تمكنت من تعلم القراءة في سن الثالثة من خلال مراقبتها لأختها الأكبر، ثم تعلمت تعليماً ذاتياً عبر مطالعتها لمكتبة جدها. وفي سن الثالثة عشرة تم ضمها إلى بلاط زوجة حاكم المملكة بعد أن تنامى إلى علم الجميع سعة ثقافة الطفلة، يجدر بالذكر أنها في هذه السن الصغيرة قد نجحت بإمتياز في التقييم الذي أجراه لها أربعون عالماً أتى بهم الحاكم لإختبار معارفها. وفي فضاء البلاط الملكي وبرعاية زوجة الحاكم بدأت سور خوانا بنظم الشعر، وخاصة شعر المناسبات، كما تعلمت اللغة اللاتينية بسرعة فائقة. ثم قررت الالتحاق بالرهبنة في سن السادسة عشرة. وكان هدفها من ذلك، كما تشير هي، كي تتفرغ للإطلاع ولمتابعة اهتمامها بالأدب والمعرفة والثقافة دون أية قيود اجتماعية، وخاصة أن الكثير من الوجهاء وأصحاب السلطة صاروا يطلبونها للزواج. وبالفعل ظلت معتكفة في الدير إلى أن توفيت عام 1695. وقد تحول هذا الدير الآن إلى جامعة تحمل اسمها وتمت العناية والحفاظ على مخبأ اعتكافها الذي يتردد عليه الزوار من أنحاء العالم.
لقبت بالملهمة العاشرة وبعنقاء أمريكا اللاتينية. يصنف الدارسون أعمالها الأدبية بأنها تنتمي إلى حركة الباروك، ويصفها البعض الآخر بالتصوف، لكن أوكتافيو باث ينفي عنها هذه الصفة ومعتبراً إياها أسلوباً للتخفي في زمن كانت فيه هيمنة الكنيسة في أوجها. وتعد من أوائل وأعظم كتاب المكسيك، كما أنها أول امرأة في قارة أمريكا اللاتينية نادت بحقوق المرأة. ألفتالمسرحيات الدرامية والدينية وأناشيد لتراتيل عيد الميلاد وكتبت الكثير من الرسائل والمقالات التي دافعت فيها عن اهتماماتها الفكرية وعن حق المرأة في التعليم وذلك إثر انتقادات وجهت لها من قبل أسقف مدينة بويبلا بسبب اهتماماتها المعرفية والكتابات غير الدينية، ولكنها عرفت أكثر بشِعرها الذي يشكل أكثر من نصف إنتاجها الأدبي، ويمتاز بقوة الحبك والأوزان والقوافي ومحملاً بالأفكار والصور والرؤى والرموز التي ظلت تحفز النقاد ودارسيها وقراءها على ثراء التأويلات. وعلى الرغم مما تفقده أثناء الترجمة، نحاول هنا نقل نماذج من قصائدها.. ونأمل أن يتم تقديمها والتعريف بها بشكل أوسع وأشمل مستقبلاً للقارئ العربي.
_______
*الاتحاد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *