منمنمات قصصيَّة


*سهام العبودي



خاص- ( ثقافات )


غرفةٌ خاصَّة

في البيت المزدحم بالصغار، والفقر كان على الذين يرغبون في الحصول على غرفة خاصَّة أن ينتظروا طويلاً. 
في الحقيقة فقد كان عليهم أن ينتظروا إلى ما لا نهاية. 
وبغرابة لا حدَّ لها كان الفتى المريض بعلَّة لا شفاء منها يبتسم متقبِّلاً فكرة الموت؛ الفكرة المحتملة القريبة التي همس بها الطبيب في أذن الأب خلف الباب!
في البيت المزدحم بالصغار، والفقر أصبح القبر – بالنسبة إلى الفتى المريض – هو فرصة المرء الوحيدة للحصول على غرفة خاصَّة!.

كلامٌ فارغ

يصله صوتها وهي تحدِّث رفيقةً عبر الهاتف. تعلِّق بين لحظة وأخرى: “مجرَّد كلامٍ فارغ”، “كلامٌ فارغ”، “ما هذا الكلام الفارغ؟”.
تمشِّط بأصابعها شعره الخفيف. يرفع رأسه. يسأل: “ولكن يا أمِّي، لماذا لا يملأ أحدٌ كلَّ هذا الكلام الفارغ؟!”.

خوف

مثل قلب أمٍّ
ينقبض جوف الشجرة 
كلَّما حان موعد القطاف! 


اكتشاف
أدركتُ – منـذ تلك اللحظة التي رأيتك فيها تستخدم المنديل – ألاَّ شيء يعبر بعفويَّة معك؛ ذاك المنديل لم تأخـذه إلى أنفـك مباشرةً كما يفعل الناس عادةً، بل مددته على رجلك، ثمَّ ثنيته بشكل مثالي، نفضته مرَّتين، ثم ثنيته مرَّة ثانية، كنت تعـدُّ منطقة استقراره على أرنبة أنفـك بكثيرٍ من العناية. ليست هذه صفة الرجل العفوي! كان الأمر يخلو تمامًا من العفوية، والارتجال. كان هذا الشيء العادي الذي يبدو معقَّدًا وهو يصدر منك يرعبني، يجعلني أفكِّر في مصير الأشياء غير العاديَّة، والمركَّبة وهي بين يديك. كنت أفكِّر ولا شعور يخلقه الموقف فـيَّ إلاَّ الشعور بالاختناق، والضيق. 
هذا الشعور لا يناسبني!


التكسُّرات
منعكسة على صفحة الماء رأى الإنسان صورته للمرَّة الأولى، ظلَّ يتساءل – بعدها – عن احتمال وجود مرآة تنعكس عليها صورة روحه، ظلَّ يتساءل طويلاً، يخطر له السؤال كلَّما رأى صورة جسده، كلَّما حسَّن هيئته في ضوء الانعكاس، كلَّما بدا أجمل بسبب هذا الانعكاس. قلقًا بشأن هندامه الداخلي عاش الإنسان طويلاً، يبحث عن مرآته، شاركته القلق رفقة، تتساءل – معًا – عن هندامها الداخلي. وحين انخرط أفراد الرفقة في ملاحظة سلوك بعضهم البعض لم يعد التساؤل بشأن مرآة الروح مطروحًا بكثافة، جاءت أوقات لم يُطرح فيها السؤال قطُّ، لم تحدِّد الكتب تاريخ عثور الإنسان على مرآته الروحيَّة، كانت تلك المرايا خفيَّة، وكان الكشف عن انعكاساتها يجري بسريَّة تامَّة، يعرف الإنسان أنَّ تلك المرايا موجودة في مكانٍ ما من أجساد الأصدقاء، وحين يدوس الأرض، ويسمع صوت التكسُّرات التي يصدرها الرمل يحدِّث نفسه: أنَّ هذه ربما تكون مرايا السابقين قد تهشَّمت بعد الموت، وأنَّ هذه الشظايا الهائلة التي تملأ الأرض ما تزال تحتفظ بتلك الانعكاسات التي غدت الأرواح – بفضلها – أكثر أناقة! 

في منزل الخيَّاطة

ثوب زفاف جديد معلَّقٌ في خزانة الملابس التي لم يأتِ لاستلامها أحد!


تضحية
يقطع الحطَّاب علاقة الشجرة بالأرض، بهذه الطريقة القاسية للانفصال، وبهذين الألمين – الفراق، والضربة الحادَّة المسدَّدة للفأس – نحصل على مقاعد الاجتماع العائلي للعشاء، ونتبادل الحميميَّة!


تعاسة
حين قلت له: “إنَّ عمر الإنسان يتحدَّد – عند بعض الثقافات – بـحساب لحظات السعادة فقط” تحسَّس بطنه فجأة، ثمَّ قال: “عليَّ الآن أن أقطع حبل سُرَّتي؛ فأنا – بهذا الحساب – أكون قد ولدت للتوِّ!”.


انتحار
الغابة تؤثــِّث المدينة.
الغابة لا تدري أنــَّها تمضي إلى حتفها.


تاريخ
قبل أن يكتشف الإنسان وجود (الأمنيات) كانت الأشياء الجميلة تحدث وحسب.
لا بدَّ أنَّ أحدًا قد خطر له حينذاك: أنَّ الأشياء الجميلة تلك ستبدو أجمل لو فكَّرنا فيها بشكلٍ مسبق بحيث تغدو منتظرةً على نحوٍ محبَّب!
في تلك اللحظة البعيدة – على الأغلب – ولدت (الأمنية الأولى)، وبعد ذلـك بقليل – وللأسف – ولدت (الخيبة الأولى)!


قسمة
أعرف الآن أنَّ أمر حبِّنا لم يكن يخصُّنا وحدنا، الآن حين غدونا غير حبيبين أفكِّر في بطِّ الحديقة الذي كنا نمنحه فتات فطائرنا، أفكِّر في بائع الورد الذي نقصت غلَّته لأنـَّني توقفت عن إهدائك الورد، أفكِّر لو أنَّ عشرة أحبَّاء افترقوا في الوقت نفسه: سيغادر البطُّ، وسوف ينام صغار البائع دون عشاء، إنــَّنا اثنان، ولكننا – ومن دون أن ندري – كنا نتقاسم حبَّنا مع الكون.


نداءٌ أخير
لم يدرك أنَّ دمعتها تلـك كانت هي النداء الأخير قبل أن يقلع قلبها دونه!


فوات
باقة وردٍ مهملةٌ في المشفى.
الجوريَّات المنكمـشة كانت ستعني شيئـًا لقلبٍ متعب.
كانت ستعني له شيئـًا لو أنــَّه صمد قليلاً.

موعد حياة

وكان مثلهم، يؤكِّد أنَّ لديه – عمَّا قليل – (موعد حبٍّ)،
فلـمَّا تفرَّق الأصحاب إلى مواعيدهم فرش سجَّادة الصلاة! 


عقوق
كلَّما (أنـجـب) عقله (فكرة) طارت! 


غواية
رقصةٌ مخبَّأة في الريح: 
كلَّما مرَّت بشجرة أغوت الأوراق! 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *