وئام يوسف
نجحت الدراما المصريّة في رمضان 2015، بإعادة اكتشاف وجوه فنية قديمة خرجت من عباءة النمطية، كما أظهرت مواهب شابة قدمت الجديد والمختلف. تبوأ فنانون الصدارة، كثمرةٍ لدأب واضح من تطور الشخصية التمثيلية والمهارة العالية في الأداء، ما جعل أسماءهم حديث النقاد والمتلقين. كما برزت مواهب جديدة امتلكت الإحساس والحرفية، لتثبت أن جيلاً فنيا مبشراً في طريقه إلى القمّة.
مدمنة تمثيل
استطاعت الممثلة رانيا شاهين أن تأسر المشاهد وتستفز مشاعره بأدائها لدور إنجي في مسلسل «تحت السيطرة» للمخرج تامر محسن. نقلت شاهين إلى الشاشة شخصيّة الفتاة الغارقة في دوامة المخدرات التي سحبتها إلى القاع، فتتوحّش تارة في سبيل الحصول عليها، وتارة أخرى تراها عاجزة يودي بها ضعفها إلى الانتحار في النهاية.
«تحت السيطرة» وثبة هامة في حياة رانيا شاهين المهنيّة، وضعتها في مكانة استحقتها عن جدارة، مدعومة بنص مسبوك بحرفيّة وفريق عمل متكامل. تؤكد أن أداءها لدور إنجي، خلاصة مثابرتها لسنين في أعمال فنيّة كثيرة. تقول لـ «السفير» إنّها بذلت الكثير من الجهد كي تقدم شخصية المدمنة كما يجب، فشاهدت أفلاما وثائقية تدور حول الإدمان، وقرأت الكثير حول الهيرويين وتفاصيل تأثيره على المدمن، كما جلست مع أطباء ومختصين بمعالجة الإدمان. كلّها خيوط نسجتها شاهين بإتقان لتبني ذاكرة انفعالية لشخصية إنجي، غير غافلة عن الشكل الذي عزز حضورها، إذ إنّها أنقصت ما يزيد عن 8 كيلوغرامات من وزنها، لتظهر نحيلة متهالكة على ذاتها. هكذا، خلقت مجموعة تفاصيل، من الجسم الهزيل والشعر الأشعث إلى الأظافر المتسخة، لتشي بما تعيشه من عجز وضعف وضياع.
تقول شاهين «إنّ مسلسل «تحت السيطرة» محبوك جيداً، ما يساعد الممثل على تشخيص الدور جيداً»، مشيرة إلى أنّ المخرج تامر محسن لديه من المرونة والوعي والسيطرة ما يجعل الممثل يعمل في مناخ من الراحة والجدية.
في رمضان 2015، شاركت شاهين كذلك في مسلسل «حق ميت» للمخرج باهر دويدار بدور سها الزوجة الأنانيّة التي تحبّ زوجها لدرجة التملك، فتعد المكائد والحيل لتبقيه إلى جانبها. ولكن ينقلب السحر على الساحر وتخسر كل شيء حتى حياتها، إذ إنّه يقتلها عندما يعرف بحجم أذيتها له. دور لم يكن على قدر أهمية شخصية إنجي في «تحت السيطرة»، لكن الأكيد أن رانيا شاهين تخطو بثقة في عالم الفن، فاردة لنفسها مساحة ستجعل اسمها يتوهّج في الساحة المصرية والعربية.
حازت شاهين على بكالوريوس تجارة، وشاركت في ورش تمثيليّة عدّة، صقلت موهبتها، وطوّرت أدواتها، وشاركت في أفلام عدة منها «زي النهار دة» (2008)، و «بنتين من مصر» (2010)، و «فبراير الأسود» (2013)… وشاركت في أعمال دراميّة عدة منها «دوران شبرا» (2011)، و «أبواب الخوف» (2011)، و «رقم مجهول» (2012).
خيار العمر
كانت مشاركة محمد عادل بخمسة أعمال دفعة واحدة في رمضان بمثابة تحدٍ كبير لكن ربحه وبقوة، نتيجة تقمصه شخصيات مختلفة عن بعضها، مبتعداً عن النمطية والتكرار. يؤكد عادل لـ «السفير» أنّ فهم الممثل لكل شخصية وتوغله في دواخلها، يجعلانه قادراً على التأثير بشكل مختلف.
كانت شخصية محمود في مسلسل «طريقي» إخراج محمد شاكر خضير العمود الفقري للعمل، إذ يلعب عادل دور شقيق البطلة دليلة (شيرين عبد الوهاب)، والداعم لها في مسيرتها الفنية. يبقى ظلّ الشخصيّة حاضراً حتى بعد وفاة محمود في العمل مقتولاً، بدليل ظهوره في المشهد الختامي للعمل. قدم عادل أيضاً شخصية المجند بشير في مسلسل «أستاذ ورئيس قسم» لوائل إحسان، والصحافي آسر في مسلسل «بعد البداية» لأحمد خالد، كما جسد دور عزّ في مسلسل «ذهاب وعودة» لأحمد شفيق.
يختار عادل الأدوار المقنعة والملائمة له، ويفضل الشخصية المكتوبة بجودة عالية، إلى جانب العمل مع مخرج على قدر عال من المسؤولية والجدية، ليكون العمل على المستوى المطلوب حسب قوله.
تخرجه من أكاديمية الفنون، معهد الفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج، لم يكن أولى خطوات عادل في عالم الفن. فالمسرح لازمه منذ طفولته، كونه نشأ لأبوين يمثلان في المسرح، وشارك في أول عمل مسرحي في سن التاسعة. ذلك ما جعل الفن نهجاً سار عليه منذ صغره، وتوّجه بأدوار مميزة في أعمال عدة منها، فيلم «لا مؤاخذة» لعمرو سلامة (2014)، وفيلم «الجزيرة 2» إخراج شريف عرفة في العام ذاته… ذلك بالإضافة إلى مسلسلات عدة أبرزها «دهشة» لشادي الفخراني، و «سجن النسا» لكاملة أبو ذكري العام الماضي.
نجمة منذ الدور الأوّل
هانيا في مسلسل «تحت السيطرة»، الفتاة المشتعلة بالحياة والطاقة، ارتمت في بئر المخدرات، لتعوض حنان أمها (جيهان فاضل) التي فقدت السيطرة على ابنتها نتيجة إهمالها لها سنين طوالا. أدّت جميلة عوض شخصيّة هانيا المركّبة والمتناقضة بكل إتقان، فأظهرت الفتاة المجدّة في دراستها، المتأرجحة بين الطفولة والمراهقة التي تقع في حبّ علي (محمد فراج) ليغرقا معاً في مستنقع الإدمان، وينتهي بها الأمر مقعدةً.
نجحت الفنانة جميلة عوض في رسم بصمتها الخاصة في ظهورها الأوّل على الشاشة. ذلك طبيعي لشابة نشأت في كنف عائلة عريقة في الفن، فوالدها المخرج عادل عوض، ووالدتها الفنانة اللبنانية راندا محمد علي، وعمها مصمم الرقص عاطف عوض، وجدها نجم الكوميديا الراحل محمد عوض.
تقول عوض لـ «السفير» إنّها حضّرت للعمل كثيراً، من خلال الجلسات المتكررة مع مدمنين متعافين، إلى جانب تمرينات مكثفة مع المخرج تامر محسن القادر على إبراز قدرات الممثلين حسب قولها. تشير إلى أنّها بنت الشخصية في عقلها الباطن، وانغمست بكل تفاصيلها لدرجة أن هانيا تفوقت على جميلة بعفويتها في المشاهد الأخيرة حسب قولها.
تشعر عوض بالمسؤولية تجاه ما ستقدّمه مستقبلاً، مؤكّدة أنها ستختار النصّ المفعم بالتحدي والقادر على خطف المشاهد من أوّله لآخره، وتفضل العمل مع مخرج يبذل جهداً مع الممثل ليخرج أفضل ما عنده.
براعة عوض في تجسيد أول أدوارها الدراميّة كانت كافية لإظهار موهبتها. ذلك ما تؤكّده الناقدة الفنية ماجدة خير الله قائلة إن دوراً واحداً كافٍ لتحديد مدى امتلاك الممثل للموهبة وللإحساس، في حين أنّ الاستمرارية تخضع لذكاء الممثل وقدرته على الأداء والتطوير.
تضيف خير الله أنّ الموسم الرمضاني الحالي أبرز مجموعة من الشباب الذين قدّموا أداء تمثيليا رائعاً، مشيرة إلى نضج موهبة بعضهم خلال السنوات الأخيرة، ما بلور شخصيّاتهم الفنيّة بشكل أوضح، مثل طارق لطفي ومحمد فراج. والأخيران برأيها هما من الاشخاص الذين أثبتوا قدرتهم على التلون والتنوع في الأداء، إلى جانب إبهار المشاهد والتأثير فيه. تشير خير الله إلى فشل البعض الآخر من الشباب رغم شهرة أسمائهم والمساحات الضخمة التي شغلوها، كأحمد السقا وكريم عبد العزيز ومصطفى شعبان، معللة ذلك بكونهم لم يتريثوا وباتوا يختارون الأدوار بعيداً عما يلائمهم. «فمن لا يدرك قيمة العمل وما يناسبه فيه، لن يكون قادراً على تحمل مسؤوليته»، بحسب تعبيرها.
السفير