مورل مفروي ‘بنت مولانا’ الفراشة التي انشدت إلى النار


*ممدوح فرّاج النّابي

المساحات الفارغة التي تركتها إليف شفق في روايتها “قواعد العشق الأربعون”، حول شخصية كيميا بنت مولانا، جاءت الكاتبة البريطانية المولودة في فرنسا «مورل مفروي» لتملأه، وتجعل من شخصية كيميا محورا رئيسيا لروايتها «بنت مولانا» بذات الاسم الذي اشتهرت به، ليس فقط في تمثيلها في عتبة العنوان، وإنما في تتبّع الشّخصية منذ أن كانت جنينا في بطن أمها آفدكيا، والنبوءات التي لاحقتها وأيضا الوصايا والبشارات، ومنها نفذت إلى شخصية شمس التبريزي نفسه، والعلاقة الملتبسة بين شمس وعلاءالدين ابن مولانا، فجاء نصّها حاملا لخصائص النّصوص السّيرية الغيريّة. الرّواية قام بترجمتها إلى العربيّة المترجم المصري محمد عيد إبراهيم، في طبعة أصدرتها دار نينوى، مذيّلة بملحق مربعات لمختارات من شعر مولانا جلال الدين الرومي، بعنوان «النّار والوردة، واحد».

حكاية الفراشة
تأخذ الأحداث الطابع السّيري عبر ضمير الغائب، حيث تجعل السّاردة من شخصية كيميا أو الفراشة التي استعارها من أشعار فريدالدين العطار وهي تَنشدّ إلى النار في بؤرة الحدث، وتتّبعها حتى من قبل ميلادها، فقد ارتبط اسمها وجنسها بحادثة قبل مولدها عندما هبط إلى القرية رجل اسمه محسود وبعد أن أكرموه قال لآفدكيا أمها وكانت حاملا بها «سيكون المولود بنتا، سمّها كيميا»، ثمّ توقف كمن يفكّر وقال «ينتظرها مستقبل كبير».
لكن الدور الكبير في هذه الشخصية يعود خاصة إلى شخصية محمد الناسك القادم من قونية، وقد تعرّفت عليه في القرية، والذي بدأ يعلّمها الكتابة، وكان أوّل من حدّثها عن مولانا، بل فاجأته بأن ذكرت أوصاف ما كان يرتديه مولانا من ملابس أثناء إلقاء دروسه.
«فقال لها: كيف عرفت؟ أجابت: رأيت البارحة رجلا، يلبس عباءة زرقاء وعمامة رماديّة عيناه زرقاوان في رماديّ، ابتسم لي وأخذني من يدي. وظلّا صامتين… قال أحمد بعد وهلة: محظوظة أنت، فقد ترينه يوما. من يدري؟! فتطلعت في أحمد بالجدية نفسها التي صدمته بها أوّل ما قابلها وأمها قرب فسقية القرية. نعم سأراه. وصدمه اليقين الهادئ في نطقها».
وإن كانت لا تدري أنها ستلقي بنفسها إلى النار، ثمّ يأتي الدور الأهم للأب كريستوم الذي كتب في وصيته بأن تذهب إلى قونية لتتعلم، وهو الأمر الذي أرّق مضجع أبيها فاروق حتى اهتدى في النهاية إلى الذهاب بها بنفسه إلى قونية وتسليمها إلى الرّاهبة أندريه في الدير حسب وصية الأب كريستوم، إلا أنّ القدر الذي هو محرك مهمّ في شخصية كيميا منذ نزول الرجل عند بيتهم وطلبه للشراب، وإخبارهم ببشارته إلى تصادف لقاء الأب بمولانا وهو في طريقه للدير، وهناك يطلب منه مولانا أن يستضيفها مع زوجته كيرة وابنه الرضيع عليم، وهو الأمر الذي لقي هوى لدى الأب الذي ما لبث أن عاد أدراجه وترك كيميا التي ستصير مع الوقت بنت مولانا، إلى أن يحل لديهم شمس الدين التبريزي، وينتهي بها هذا القدر نفسه لأن تموت حزنا بقدرها الذي تمنته، وهو الزواج من التبريزي.
في قونية بعدما عهد بها الأب إلى مولانا، كانت الأمور تسير على وتيرة واحدة سواء بالنسبة إلى كيميا التي كانت تقضي وقتها في مساعدة كيرة زوجة مولانا، ومداعبة الصّغير عبدالعليم، وأيضا بالنسبة إلى مولانا الذي كان يقسّم وقته بين دروسه في المعهد ومجالسة مريديه، والجلوس إلى أهل بيته.
لكن حلّت التغيرات ما أن هبط شمس الدين التبريزي قادما من تبريز ثم استضافه مولانا له في بيته، وهو ما عبّرت عنه كيميا قائلة «شيء يتغيّر، شمس الدين يغيّرنا، لا أعرف كيف»، وهو الأمر الذي لم يتحمّله مريدوه بعد أن بعد عنهم وانصرف تماما إلى ضيفه الجديد، وهو ما ولّد معارضة من طرف محبيه، وقد وصلت الرّسالة إلى شمس الذي فضّل الرّحيل، لكنه عاد مرّة ثانية، وما إن عاد حتى عرض عليه مولانا الزّواج من كيميا التي صارت ابنة الثانية عشرة، وبتشجيع من كيرة زوجة مولانا قبلت كيميا.
سهم الحبّ أصابها منذ أن التقت عيناها عينيه ذات مرّة. والحقيقة أن سهم الحب لم يصب كيميا فقط بل أصاب أيضا مولانا حتى أنه تفرّغ تماما لصديقه شمس التبريزي، وهو ما ظهر في نحول جسده وإن كان لا يخفي وميض السّعادة في عينيه فقال معبّرا عن هذه العلاقة التي آلمت الجميع «شمس الدين صنو روحي».
لكن هذه العلاقة تحوّلت إلى مرمى النّار وهو ما ظهر في شكوى المريدين لسلطان ولد: «بلّغ أباك أنّه من دون نورانية تعليماته الحياة لا تحتمل» وإن لم يستجب لنداءات مريديه فقد تحوّلت إلى انتقادات لهما إذ وصف مولانا بأنّه «ممسوس وشمس الدين شيطان»، وهو الكلام الذي سمعته كيميا في السّوق بل زيد عليه تساؤل من قبيل «كيف تعيش معه في البيت؟».
لقاء الفراشة بالنار
كانت البداية عندما أصابها سهم الرؤية الخاطفة لوميض عيني شمس أثناء خروجه من الغرفة، فانتابتها التغيّرات التي بدأت بالحلم الذي كتمته عن الجميع، ثمّ دخولها في طور الصّمت، والتوحّد بذاتها.
لكن الغريب أن الزواج من شمس الدين لم يكن سببا لسعادة كيميا وهو الدرس الذي تمرّره الحكاية فليس كل ما يتمناه المرء تكون فيه سعادته بل على العكس، ربما يكون فيها شقاؤه أو موته مثلما انتهت حكاية كيميا بالمرض ثم الموت.
لم تقف الأحداث عند طبيعة العلاقة الملتبسة بين مولانا وشمس من ناحية، وشمس وكيميا من ناحية أخرى، بل شملت أيضا الأحداث السياسية زمن الرواية، حين اجتاح المغول أراضي الأناضول، والأهوال التي لاقاها الشّعب أثناء الاجتياح، لكن التوقف الحقيقيّ كان عند الحياة الاجتماعية، فبالإضافة إلى ذكر مواسم الحصاد للتفاح والفواكه المختلفة والأطعمة، إلا أنها توقفت عند العلاقات بين أفراد المجتمع، التي كانت مع الأسف تشير إلى حالة من التداخلات غير المقبولة كما في علاقة مولانا بشمس أو في زواج كيميا من شمس.
تنتهي الرواية بموت كيميا من شدة الحزن، ثم غياب شمس حزنا عليها، وهذا الاختفاء الذي تعدّدت تفسيراته دون الوصول إلى حقيقته سواء في رواية إليف شفق «قواعد العشق الأربعون» أو حتى في رواية «بنت مولانا»، لكن الشيء الوحيد المحقّق أن كيميا عشقته لكن لم يتحمل قلبها الحريق الذي اتّقد في قلبها.
______
*العرب

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *