سامح الحسيني يبحث عن النفس في ‘ميراث الروح’


رضاب فيصل


يبحر الشاعر سامح الحسيني في ديوانه “ميراث الروح” نحو المكنونات الداخلية لصدى ذكرياته. فيتجاوز المراحل المتقدمة من العمر، وصولاً إلى الطفولة وتفاصيلها الآخذة بالإلحاح. فيعبر المسافات حتى يستقر أخيراً في روحانيات من شأنها أن تبعث على الحنين والألم. مقاوماً للقهر، باكياً على الطلل، خائفاً من مجهول صار واقعاً.
تأتي المجموعة وهي العدد ٩٨ من كتاب “الرافد” الصادر عن دائرة الثقافة والإعلام بإمارة الشارقة، لتلوّن أيامنا بصلاة روحانية، نحن بأشد الحاجة إليها حتى نعود بشراً كما خلقنا. وكأن الحسيني في صفحاته هنا، يعيد إلينا الروح بعد ما ظننا أنها ضاعت وسط زحام المادة والموت. ويفتح النوافذ والأبواب الموصدة أمام ذكريات رفضناها في واقعنا المعيش لنحيا بسلام أو بمعنى آخر لنحيا دون شوق أو ألم.
اثنتا عشرة قصيدة اجتمعت على الحب والذكرى. وحتى في عناوينها تراها غرقت داخل الروح وما تحمله من أشياء حلوة وراقية ووقعها لطيف على المسامع. منها: “رائحة”، “صدى”، “العصفور يغني استكاتو”، “ميراث الرمل”. كذلك تسلل الرقي إلى داخل القصائد نفسها. فأثمر كلمات أعادتنا إلى الزمن الجميل، واصطحبتنا معها إلى أماكن خارج حدود الزمان والمكان. فيكتمل المشهد بعناصره الشغوفة بالأمل والحياة وبالحب والصفاء والألق.
أحنُّ..
وروحي عبر سطوح البيوت
تحطّ على سطحها
كالحمام الذي لأخيها تغني
لكن هذه الرقة المفعمة بالعبارات والمفردات، تخفي ألماً حوّله الخوف إلى قسوة. فتحوّل الهمس إلى اعترافات مريرة. وألقى ما في جعبته أمامنا، نحن الذين صدمنا بقدرة اللغة على التعبير عن القهر والعشق في آن واحد.
تحملني يدان إلى جناحين على شجر
تبدي في فراغ القلب أشباحاً
وفي صهيل النور جيشاً
لمدن أغلقت وجهي علي
ونصبتني للعصافير فخاخاً
للوالدين عند الحسيني صدى موجعاً. فقد تذكر أباه وأمه في كثير من قصائد المجموعة، بينما هو مولع بالحنين والحب بالإضافة إلى شعور من نوع آخر وصل إلينا محموماً بشذريات من الغضب أو ربما من العتب.. وكان كلما حاول أن يبوح ويعبّر بالكتابة، تأكله الذكرى تارة، وتحييه تارة أخرى.
هنا أستعيد دمي
أستعيد خطاي
حثيثاً لروحي بأحضان أمي
تلك التي لوّثتني زماناً
وضيّعتني مكاناً
صلوات ما قبل الرحيل، افترشت الصفحات وطغت بطقوسها على العبارات والكلمات. ثمة من يبحث عنه شاعرنا في شعره. شخص ما ضاع في زحمة الأرواح.. ولكأنه يبحث عن ذاته هو بملامحه المتغيرة دوماً التي لعب بها الزمن حتى أثقلها بالتجاعيد وبالجراح.
وها إنها دفقة الموت والانتماء
تصلي صلاة اغترابي
تسبح خلف بذات الحروف
فتسقط في جبها الأسئلة
هو الآن أين..؟
وهل – قد – يعود..؟
ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *