محمد فايز جاد
28عامًا مضت على اغتيال رسام الكاريكاتير الفلسطيني ناجي العلي، الذي أقض بقلمه مضاجع زعماء الكيان الصهيوني، ومن قبلهم مضاجع الحكام العرب، بعد أن صارت لوحاته مصدر قلق للجميع، لدرجة أن الصحف التي عمل بها في الكويت ولبنان كانت تتعرض لضغوط شديدة حتى يتوقف العلي عن قذائفه التي لا تهدأ.
ابن الشجرة الذي ولد في عام 1937 كانت ريشته بمرارة الجرح الفلسطيني الدامي، فأخرج لنا المأساة الفلسطينية في لوحات، رغم مرور عقود على رسمها، لا تكاد تراها حتى تظنها كتبت للتو، إما لأن العلي كان صاحب نظرة مستقبلية، وإما لأن شيئًا لم يتغير منذ النكبة.
على عكس معظم الكتاب العرب الذين تناولوا القضية الفلسطينية منذ النكبة حتى الآن، لم يكن هجوم العلي موجها نحو الكيان الصهيوني، إنما انصب هجومه الشرس نحو الأنظمة العربية، التي يراها العلي السبب الأول فيما وصلت إليه القضية الفلسطينية.
لوحة “حنظلة” هي الأشهر لناجي العلي، والتي ربما تكون قد قابلتها كثيرًا ولم تعرفها، هو حنظلة الذي ظهر لأول مرة في جريدة السياسة الكويتية عام 1969، وهي تمثل ناجي العلي الذي خرج صبيًا في العاشرة من عمره من قريته الشجرة على إثر النكبة.
وبعد 1973 أدار ظهره للجميع وعقد ذراعيه خلف ظهره، ولما سئل العلي لماذا يدير حنظلة ظهره للناس، أجاب بأنه يدير وجهه لفلسطين، ولما كان الناس يديرون ظهورهم لفلسطين فإنهم يرونه مديرًا ظهره لهم.
“لا تصالح” ربما يكون هو العنوان الأنسب لهذه اللوحة التي يرفض فيها العلي كل من يحاولون اللعب على وتر السياسة متاجرين بالقضية الفلسطينية في الغرف المغلقة، مؤكدا أن السلاح، والسلاح فقط، هو الوسيلة الوحيدة لاستعادة الوطن المسروق.
“جواز السفر” إحدى أكثر لوحات علي مرارة وقسوة، اللوحة عبرت بعبقرية عن حالة انعدام الهوية التي يعانيها المواطن الفلسطيني بعد النكبة، هذه الحالة التي سحقته واستلبت منه حريته، حتى في أدق أسراره الشخصية التي لابد أن تكون علنية، فقط لأنه فلسطيني.
“من راقب الأنظمة مات همًا” من أشهر لوحات ناجي العلي، حتى أن هذه المقولة صارت متداولة بين المواطنين دون أن يعرف كثيرون منهم معناها، وهنا يعلن العلي يأسه من محاولة أصلاح الأنظمة، التي أدارت ظهرها لفلسطين.
“اللي بدو يكتب عن فلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين بدو يعرف حاله ميت” هكذا كان يردد العلي دائمًا، فقد كان على علم بمصيره الذي ينتظره، والذي واجهه الكثير من رفاقه.
ولكن من سخرية القدر أن يموت العلي بالسلاح الذي طالما هاجمه، ففي حين قتل معظم رفاقه في تفجيرات، على غرار كنفاني وغيره، قتل العلي بكاتم الصوت، ففي 22 يوليو عام 1987 ، أطلق الرصاص على ناجي العلي من مسدس كاتم للصوت في لندن، وتم نقله إلى المستشفى، ليلفظ صاحب حنظلة أنفاسه الأخيرة في 29 أغسطس.
بوابة الأهرام