برج القاهرة؛ واحد من أهم معالم التاريخ الحديث في القاهرة، ويُعتبر في بعض الأحيان المعلم الثاني الأكثر شهرة في مصر بعد أهرامات الجيزة، يقع في حي الزمالك على نهر النيل، تمّ بناؤه في الفترة من 1956 إلى 1961، من قِبَل المهندس المعماري المصري نعوم شبيب، على شكل زهرة اللوتس الفرعونية.
ويصل طول البرج إلى 187 متراً، أعلى من الهرم الأكبر “خوفو” بالجيزة بحوالي 43 متراً، وقد كان أطول مبنى في مصر وشمال أفريقيا لنحو 50 عاماً، وكان أطول مبنى في أفريقيا لمدة 10 أعوام حتى عام 1971 عندما تمّ تجاوزه من قِبَل “برج هيلبرو” في جنوب أفريقيا.
ويتكوّن البرج من 16 طابقاً، ويقف على قاعدة ارتكاز من الجرانيت الأسواني، الذي استخدمه الفراعنة والقدماء المصريون في بناء المعابد والمقابر الأثرية، ويُعدّ البرج مركزاً هاماً لجذب السياح العرب والأجانب للاستمتاع وتناول المأكولات والمشروبات، ورؤية بانوراما كاملة عن القاهرة خاصة (قلعة صلاح الدين، أبو الهول، الأهرامات الثلاثة، مبنى ماسبيرو، الجامع الأزهر، متحف الفن الحديث، دار الأوبرا، وغيرها)، كما يمكن للزائر مشاهدة أدق تفاصيل معالم القاهرة من خلال النظارة المكبرة، ويوجد بالطابق الرابع عشر في البرج مطعم دائري على ارتفاع 160 متراً، يلف حول نقطة ارتكاز بزاوية 360 درجة، بسرعة غير ملحوظة تقريباً، لكنها تسمح برؤية القاهرة من كافة الجوانب.
ويحتوي المستوى الأرضي على متجر للهدايا التذكارية، مثل: ورق البردي والتحف والأنتيكات والتماثيل الفرعونية، وبيع كتب دليل البرج للزائرين وغيرها، بالإضافة إلى مكتب عالمي للمعلومات السياحية الكاملة عن القاهرة.
وتُعدّ فترة الغروب من أفضل أوقات زيارة البرج، حيث يشاهد الزائر الشمس تغرب بشكل مذهل، حيث تنعكس أشعتها على الملايين من الأضواء والأنوار الاصطناعية المتلألئة خارج وداخل البرج، وتموج أشعة الشمس على تلال المقطم والأهرامات والصحراء وتمنحها لوناً داكناً، كما يشعر الزائر أن الشمس تنزل إلى نهر النيل بهدوء، ويدفع هذا المنظر الزائرين إلى التقاط الصور من البرج.
وفي عام 2006 ولمدة عامين تمّ تجديد برج القاهرة من قِبَل شركة المقاولون العرب، وكانت تكلفة عملية الترميم 15 مليون جنيه، حيث تمت إضافة 3 أدوار هياكل معدنية، وسلم للطوارئ ومصعد للزائرين، بجانب تطوير مدخل البرج وتركيب إضاءات حديثة.
وفي عام 1960 كشف الرئيس جمال عبدالناصر أن أموال تشييد البرج (6 ملايين جنيه مصري)، أو (3 ملايين دولار) كانت مقدمة من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، بهدف تحييده عن موقفه المؤيد للقضية الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، وشعر ناصر بالإهانة جراء محاولة رشوته، وقرّر توبيخ أميركا على تصرّفها بشكل علني وفضحها أمام التاريخ، وأمر بتحويل مجمل الأموال إلى الحكومة المصرية لاستخدامها في بناء برج القاهرة، ليكون شاهداً على رشوة أميركا وكرامة المصريين، وسُمّي البرج عند الأميركان بـ “شوكة عبدالناصر”، وأطلق عليه المصريون “وقف روزفلت”.
وتعود قصة تمويل البرج من مصدر غير متوقع وهو (وكالة المخابرات الأميركية)، والتي أوصت بضرورة منح الرئيس عبدالناصر مبلغ (3 ملايين دولار) كهدية شخصية لتحييده وبلاده عن دعم الانتفاضة الجزائرية مالياً وعسكرياً ضد المحتلين الفرنسيين، حيث أخذ الفرنسيون موقفاً عدائياً ضد مصر، وكوسيلة للتوسّط بين البلدين قرّرت وكالة الاستخبارات المركزية التبرّع بمبلغ كبير من الأموال إلى القاهرة لإقناع ناصر بوقف دعمه لحركة الاستقلال الجزائرية.
وقبل الرئيس الأموال لكنه لم يوقف دعمه للجزائريين، وقام بمنح الحكومة الأموال لبدء بناء برج القاهرة، ولم يكن هذا بالضبط ما توقّعته وكالة المخابرات المركزية، خاصة وأنها كانت تتوقّع صرف المال على أمور أكثر إلحاحاً، مثل: تحديث القوات المسلحة المصرية لحماية البلاد، أو بناء السد العالي في أسوان لتوفير الكهرباء للملايين من المصريين، أو بناء مصانع للمساعدة في تحديث البنية التحتية للبلد التي أُهملت خلال العقد الأخير من الاحتلال البريطاني.
ويجيب على هذه التوقّعات اللواء حمدي بخيت، الخبير العسكري، قائلاً: إن حسن التهامي (ضابط الاتصال بين المخابرات المصرية والمخابرات الأميركية) عندما عاد من الولايات المتحدة بحقيبة مليئة بالنقود (3 مليون دولار)، لم يتخيّل رد فعل الرئيس، خاصة وأن ناصر كان قد وافق في بداية المفاوضات على قبول هدية أميركا المالية، ليتراجع عن دعم الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي.
وتابع: لكن المخابرات الأميركية لم تتخيّل أن يتلاعب بها الرئيس ناصر، ويقوم بإنفاق أموالها على بناء برج شاهق في قلب العاصمة، ويصبح رسالة للولايات المتحدة بأنه لا يمكن شراؤه وبلاده مقابل التغاضي عن قضايا القومية العربية.
ويوضح أن البرج تمّ بناؤه لخدمة الأمن القومي، خاصة وأن التهامي كان قد أُرسل إلى الولايات المتحدة في عام 1954 للقاء مسؤولين بالمخابرات الأميركية للمساعدة في إنشاء المخابرات العامة المصرية، وبالتالي هناك الكثير من الغموض لا يزال يحيط بملابسات بناء برج القاهرة، ومع ذلك سيظل البرج رمزاً للفخر الوطني وكبرياء المصريين.
ميدل ايست أونلاين