لينا هويان الحسن
«أنا أؤمن بأمريكا..!» كلمات ستظل راسخة في الذاكرة تبدأ بها قصة فيلم «العراب». نشاهد دون فيتو في لقطة بعيدة ينصت إلى المظالم التي يتقدم بها أحد أفراد رعيته، يرد صاحب الشكوى الذي يلتمس مساعدة العراب قائلا: «أنا أؤمن أيضاً بأمريكا، لكن إيماني بصقلية أكبر.. وأؤمن بالقانون، لكن ليس هناك ما يوازي الثأر؟!».
بمن نؤمن نحن؟! بمن يؤمن صناع الدراما العربية عموماً، والسورية خصوصاً؟ فيما فكرة «الاقتباس» مسيطرة على السوق.
تصاعدت نسبة المسلسلات «المسروقة» عن أفلام غربية، هوليوودية، تحديداً، بشكل كبير وملحوظ. طبعاً مفردة «مقتبسة» تستخدم لتبرير السطو على إبداعات الآخرين. ضجت شاشات شهر رمضان بحكايا مستنسخة على نحو رديء أو جيد، لكنها ظلت مستنسخة، لا تشبهنا، غير أصيلة، باختصار نحن أمام دراما للتسلية.
الفضائيات، وجهات الإنتاج، والمخرجون، قدموا «التسلية» السطحية، والمقلِّدة بإسفاف إما للسينما الغربية أو الدراما التركية، أي مسلسلات لا تكاد تقول شيئاً.
لعل مسلسل العراب الذي استُنسخ عن العراب، لفرانسيس كوبولا أكثر الأمثلة وضوحاً عن ترسيخ موضة «الاقتباس»، عن أفلام أجنبية شهيرة وناجحة قدمت رسائل وعي معمّقة لكل من شاهدها.
بكل بساطة سطونا على «العراب»؟! علماً أن كوبولا لطالما استبعد فكرة اختتام فيلم «العراب» بجزء ثالث، لكنه وافق على إخراج الجزء الثالث بعد تردد كبير لأنه يعرف مسؤولية النجاح.
لماذا..؟؟!
فوتوكوبي
لكن السؤال الشرعي والضروري يطرح نفسه بقوة: ما هو مبرر استنساخ أفلام غربية لتكون قوام «مسلسلاتنا» أو «درامانا»؟!
قالها يوماً جيمس كاميرون: «أولاً أريد فقط أن أقول إننا جميعاً محكوم علينا، لكن من الناحية الإيجابية نحن الذين خلقنا هذا المصير المتوعد بأنفسنا بعقولنا بتقنيتنا ونستطيع تماماً أن نلغي خلقه، نظرته الاستشرافية بأننا نستطيع التحكم بمصيرنا لها مضامين أبعد كثيراً من صنع أفلام مسلية».
نسرق هوليود «فوتوكوبي» رديء؟! ليتسلى المشاهد العربي؟!
مثلا اقتبسنا «العراب» لكن لم ننجح بتنفيذ عملية التصوير الخافتة التي تغرقنا في عالم غامض من الأسرار؟!
لماذا لم نُصَبْ بعدوى ولع هوليوود بنسج سيناريوهات رؤيوية؟!
لماذا لا نملك مقومات حقيقية لنصوص تنظر إلى الأمام؟!
هوليوود دائماً امتلكت نظرة حذرة مليئة بالتوقع نظرة تقنية وفنية لسينما دائماً تحثنا، نحن الآخرين، على الانضمام إليهم هناك: في العالم القادم المحفوف بالأخطار.
هوليوود بنفس الوقت، في جانبها المظلم، روجت لكل الأكاذيب التي ترسم صورة أسطورية لأميركا، ولسياستها.
يمكن للفن أن يكون أداة أشد فتكاً من الأسلحة، وهوليوود اتقنت استخدامه كسلاح حقيقي سواء إيجاباً أو سلباً.
السلم الدرامي
ليس صعباً لقاء منتجين محليين وسؤالهم عن سرّ صناعة دراما «للتسلية» من دون أيه رسالة، خالية من المعنى وإن ساهمت بشيء ساهمت بالتسطيح؟! سيجيبك المنتج مبرراً تبريراً منطقياً، إنها الفضائيات، التي تشارك في إنتاج معظم المسلسلات، وهذه الفضائيات تخاف؟ ممن تخاف؟! من قول الحقيقية، من طرح الحقيقة، الحقيقة كجنين زنى، لا يريدها أحد؟!
لا أحد يريد عواصف درامية، المطلوب السلم الدرامي على حساب ذكاء المشاهد.
من يتابع مسلسلاتنا لا يكاد يصدق أنه يعيش على أكثر بقعة منحوسة بالحروب والقتل والتدمير في العالم. نحن العرب، تليق بنا أعمال فنية تكشف حيوانية الإنسان في قدرته على إنتاج الخوف والعنف والتدمير، نفقد التضامن الإنساني، نعيش ورطة دموية لعل التاريخ لم يعرف مثلها. اليأس أهم مشاكلنا.
نعيش ظروفاً يفترض أن تنعش الطراز الملهاوي المأساوي في الدراما.
سيحكي لك كتَّاب السيناريوهات، والمنتجون والمخرجون عن مشاريعهم الجادة التي تناوش مشاكل المجتمع بشكل جدي يحمل في طياته مسائلات ذكية وجريئة، كلها مشاريع مرفوضة؟ لماذا؟ لا يريدون المشاكل والله أعلم.
أصدقهم، لأني كنت شاهدة على مسلسلات تم إيقاف تسويقها لأنها «حقيقية» ولا تروي قصصاً مسروقة؟!
المشاهد العربي يصرف جل وقته على متابعة مسلسلات لا تحمل قيمة حقيقية، فقط استعراض لملابس ترتديها ممثلات يشبهن بعضهن بشكل لا يطاق: الحواجب شبه موحدة، الشفاه، الوجنتان، الشعر، المكياج، وقدرات تمثيلية متفاوتة، حيث ممثلون يمتلكون كل أدواتهم وقدراتهم الفنية مع ممثلين مبتدئين؟.
من باب التذكير فقط..
في عام 1984 ترك جيمس كاميرون مصير هذا الكوكب بين يدي نادلة مطعم في فيلمه الشهير «المدمّر»، أي أبدى إيماناً ثابتاً باضطلاع الناس العاديين بمسؤوليات استثنائية. أي أنه يقول لكل رجل، ولكل امرأة، إن من الممكن أن تكون أنت الذي ستنقذنا من الآلات، وأنت تجلس في دار السينما المظلمة تشاهد هذا الفيلم. يمكن أن تكون أنت الذي تقرر أن تحيا أو تموت على ظهر تايتانك.
بما أن جزءاً غير قليل من «درامانا» مسروق من هوليوود تعالوا نتحدث قليلاً عن هوليوود ومخرجيها ليس من باب المقارنة، لا مجال لذلك فليس مجازاً أن سنين ضوئية تفصلنا عنهم، كيف لا؟! وهوليوود منذ عقود طويلة انشغلت في إيجاد أدوات أحدثت ثورة في طريقة رواية القصص. أدخلوا الافلام في العالم الرقمي.
جيمس كاميرون الذي أخرج أكثر الأفلام أرباحاً في تاريخ هوليوود تخلى عن هوليوود ليمضي عقداً من حياته يسبر أعماق المحيط. لنحظى بفيلم «افاتار» الذي حمل معالم ثورة مذهلة في طريقة صنع الفيلم والرسالة الممكن أن يحملها بين ثناياه.
قام أولا بترتيب التقنية التي سيستخدمها في الفيلم في بيان رقمي في أوائل العقد العاشر من القرن العشرين وجهد للوصول بها إلى حد الكمال خلال الخمس عشرة سنة التالية ليصنع فيلمه أو الأصح، رائعته: «أفاتار» ليسلط الضوء على الجانب المظلم من مسيرتنا المستمرة في التقدم العلمي ونحن البشر ننقل عاداتنا السيئة إلى الكواكب الأخرى، نقد معاملتنا المفترسة لكوكب الأرض.
طبعا ذكرت الفقرة الأخيرة، كرمى لعباقرة الإخراج لدينا، في حال أراد أحدهم استنساخ أفاتار، كما ترون ليس سهلا، أفاتار، لكن متاح لكم للموسم القادم مثلا اقتباس ذهب مع الريح أو المدرعة بوتمكين.
السفير