القفص المفتوح




*إبراهيم توتونجي

فلافيا مراهقة على دراجتها تجول في الشوارع، تتدبر يومياتها على هواها، مبتكرةً حيلها الصغيرة (الخطرة في بعض الأحيان) من أجل مواجهة الانهيارات التي تحيط بها: زواج والديها ينهار، وهي، مدفوعة بعدم الرغبة لكي تكون شاهدةً “على هذه اللحظة الدرامية”، تقرر الابتعاد، وترك منزلهما، والسكن عند عمتها. يحدث ذلك فيما انهيارات أكبر تحصل على مستوى البلد، المكسيك، الذي تدفع أزماته الاقتصادية شبابه إلى الشارع بشكل متزايد كل يوم للتعبير عن احتجاجهم على سياسات الحكومة التي لا تخلو، وكما الكثير من الدول النامية، من ممارسات الفساد.

قطع البابايا
هذه الأزمة، تخلق بطالةً، تعم البلاد، وتجعل مارتين (قام بدوره خوان كارلوس كولومبو)، الذي يقترب من الستين من عمره، يفقد عمله في محل الخياطة الرجالية حيث يداوم على الحضور وممارسة المهام نفسها على مدى العشرين سنة الماضية. إنه رجل تبدو عليه الجدية، يهتم بنظافة بيته، يعيش وحدته مع الكثير من الظلال التي تنعكس على الجدران المحمية نوافذها من الخارج بستائر بيضاء مخرمة عتيقة.
يعيش مارتين مع أشباح زوجته التي ماتت وتركته يخبئ ألبومات صور في حقيبة عتيقة، إلى جانب بضعة صفحات لقصة كتبها ولم يكملها. يعيش معه في البيت عصفور صغير يعتني به، ويطعمه كل صباح، قبل أن يتوجه إلى العمل، حيث زميلته الوحيدة امرأة أرملة تكترث لأمره وتعرض عليه قطع فواكه “البابايا” وتجر الأحاديث معه من دون أن يظهر تجاوباً مؤثراً.
علاقة معقدة
حياة تبدو رتيبة، أو على الأقل مستقرة بالنسبة إلى شخصياتها، قبل أن يتغير كل شيء. تطلب العمة من المراهقة (الممثلة صوفيا اسبيونوزا) ترك البيت لأن مستأجرين جدداً سيشغلونه، بينما يحتل مدخل البناية والحي مخيم من الشباب المحتجين، ويفقد مارتين وظيفته، ودخله المادي، ويمر الوقت بطيئاً عليه في الشقة الباردة مع أشباح الزوجة وثلاجة فارغة تماماً من الطعام.
شقة مارتين والمراهقة في الطابق ذاته من البناية التي يتكوم على مدخلها المحتجون. تمر الأحداث، وتفرض المراهقة الهاربة نفسها على العجوز، فيؤمن لها مبيتاً في شقته، وتبدأ علاقة إنسانية معقدة بينهما، يكتنفها توتر عاطفي، من دون أن يتم أي لقاء بينهما. تتصرف الصبية بحيوية وأحياناً إهمال في البيت، وتتلقى ملاحظات مقتضبة ولكن صارمة من مضيفها، الذي تسأله: “لماذا لا يتفاعل مع العالم الخارجي أكثر، ولماذا لا يبحث عن امرأة يقاسمها الحب»، قبل أن تتطفل على خزانته ومحفوظاته العاطفية، ومن بينها الرواية وفستان أبيض يحتفظ به لزوجته المتوفاة.
اقتصاد تعاوني
تنشأ علاقة صداقة بين الصبية وأحد الشباب المخيمين، في الوقت الذي تزداد فيه الأزمة سوءاً، فتقترح الصبية خطة: لقاء بضعة بيزوات سوف يؤجر العجوز حمامه للمخيمين الذين يحتاجون إلى أن ينظفوا أجسادهم المتسخة من المبيت في الشارع، وتشتري هي بالمال الصابون والخبر وبعض البيتزا للعجوز. نوع من التعاضد الاجتماعي في وقت الأزمات، والنظام الاقتصادي التعاوني الذي يختلقه الناس في أوقات الحصار والطوارئ. تنجح الخطة، وتنشأ علاقات إنسانية بين الرجل وزواره المنتظرين لحمامهم.
تقوم السلطات بقمع التظاهرات والهجوم على المخيم وتكسير مكوناته وضرب المخيمين بالهراوات وفضه بالقوة. يقرر الشاب الرحيل، ومعه الصبية، بينما يبقى الرجل وحيداً، لكنه هذه المرة أكثر إقبالاً على أن يفتح نوافذه للعالم الخارجي، وبعد أن يهديها الرواية التي أخرجها من الحقيبة وأكملها للمرة الأولى منذ سنوات.
ظلال تحكي
معالجة اجتماعية ذكية لتأثير الأزمة الاقتصادية في المكسيك على حياة الطبقة الوسطى، وبأدوات تمثيلية وتقنية متمكنة برع المخرج الشاب ماكس زونينو في توظيفها في هذا الفيلم الذي عرض في مهرجانات دولية ونال جوائز. إحدى نقاط قوة المخرج هي المشهدية البارعة التي يخلقها مستخدماً لعبة الظل والضوء، وتحديداً في المساحات الداخلية لشقة مارتين، حيث نفهم الكثير من المعاني، التي تجسد الوحدة والخواء والقلق والخوف من المستقبل، عبر تلك الظلال.
الفيلم: القفص المفتوح
البلد: المكسيك
سنة الإنتاج: 2014
_____
*البيان

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *