د. خالد عزب
كانت بدايات علاقتى بالدكتور رضوان السيد، بدايات غير مباشرة، ففى يوم على أحد أرصفة مدينة القاهرة حيث تبتاع الصحف، عثرت على نسخة من مجلة الاجتهاد التى كان يصدرها مع صديقه الفضل شلق، التهمتها التهاما. فقرأتها من الجلدة إلى الجلدة، فقد كانت زادا لى ووجبة دسمة تجيب على العديد من الأسئلة التى تجول فى خاطري، ورأيت أن أبعث بالبريد ببحث لى عن “العلاقات الاقتصادية بين العالم الإسلامى والغرب” وسرعان ما وجدته منشوراً فى المجلة، وفى ذات ليلة رمضانية حضر رضوان السيد إلى القاهرة فسأل عني والتقينا فى حوار رمضانى. لكن كل هذا تخلله لقاء مع الدكتور رضوان السيد فى أحد فنادق القاهرة، وهو فندق سفير، حيث أجريت معه حواراً حول فكره ومنهجيته، هذا المدخل ما هو إلا مقدمة لهذا العلم العظيم الذى نشأ فى لبنان ليرتحل منه إلى مصر حيث درس فى كلية أصول الدين ثم ليرحل إلى المانيا ليتعلم فلسفة العلوم الإنسانية، ليعود إلى لبنان مرة أخرى، فكأن العلمية لهذا العلم الفذ مزجت بين العلوم الأصولية الإسلامية برسوخها عبر الزمن، وبين مدارس العلوم الإنسانية المعاصرة فى أكثر نماذجها نضوجاً وهو النموذج الألماني، لذا ترى نتاج هذا الخلط الرائع، فى كتابات الدكتور رضوان السيد التى ما لبثت أن تبلورت لتصبح مدرسة علمية فكرية ممتدة من المغرب إلى الخليج، وتشعبت إلى الشرق والغرب، هذه المدرسة قائمة على نقد الفكر الإسلامى وما شابه من قصور أو جمود، وبناء فكر سياسى إسلامي معاصر مبني على أصول فقهية سليمة، من هنا نستطيع أن نفهم لماذا بدأ رضوان السيد حياته العلمية بتحقيق مخطوطات السياسة الشرعية، ثم بتجميع الدارسين حوله فى مجلة الاجتهاد التى تحولت إلى تيار فكري معاصر عريض، ثم فى امتداداتها سواء التسامح أو التفاهم.
لكن قيمة رضوان السيد لم تقتصر على هذا بل امتدت إلى معاركه الفكرية ونقاشاته الحادة التى شهدت بعضها فى أروقة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أو فى المجلس الأعلى للثقافة فى مصر أو فى مكتبة الاسكندرية التى ضمته ليكون عضواً فى مجلس إدارة مركز المخطوطات، وهو أحد المراكز البحثية فى المكتبة. هناك معارك أخرى يخوضها رضوان السيد فى مقالاته المنشورة فى عدة صحف كالحياة اللبنانية والشرق الأوسط والاتحاد الإماراتية، ليمتد صوته إلى جامعات أوروبا والولايات المتحدة ليدرس لطلابها، فهل جاء بلبنان عبر السنوات والعقود الماضية قامة بمثل هذا العالم؟ بلا شك ستكون الاجابة بلا، فهو جاء من رحم الريف اللبنانى ليناطح مدينتين المشاهير فيهم كثر، القاهرة وبيروت، فهل جعلت المعاناة رضوان السيد رجلاً مقاتلاً يكابدها، فيهزمها، ويتحول إلى رمز يشار إليه بالبنان، هكذا الانسان المبدع اذا أراد أن يكون فسيكون، هكذا كان رضوان السيد وسيضل، انعكس هذا حتى على مساعدته لتلاميذه وطلاب العلم والنابغين، فهو يعتبر أي إنسان مجتهد يتوسم فيه الخير ابنه الذى يسعى جاهداً ليوفر له حتى ولو من قوت يومه، لقد عرفت رضوان السيد خيراً فى العلم يساعد فقراءه وأغنياءه، بل أشهد له يوماً كنت فى بيروت ولي طلبات من رسائل جامعية صورها لي وكتب أحضرها لي، أبحاث وفرها، وقضى وقته يجمع لى فيه من مظان العلم ما أريد، وما هذا المقال إلا اعتراف مني له بالجميل والعرفان.
اليوم السابع