من شعراء القرن العشرين .. إبراهيم ناجي


*آمال الديب

خاص- ( ثقافات )

كان يغمس المفردات في قلبه أولاً فلا تخرج إلا وهي تقطر حباً.. شاعر من نسيج مختلف، تعلمت الحب في قصائده، منذ رحت أدرس البلاغة في الثانوية العامة، ودغدغتني أبيات شعره وأنا أدرس النحو والصرف والعروض، والبلاغة والنقد الأدبي، في دار العلوم، وهو النموذج الأكثر تطبيقاً أيامها..
عشقت مفرداته الدافئة، وموسيقاه العذبة، وحالة الشجن التي كانت متوافقةً مع روحي أيامها.. وغرقت في كل ما كتب حتى أذنيَّ..
آه منه حين يقول:
يا رياحاً، ليس يهدا عصفها نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا وأفي العمر لناس ما وفى
كم تقلبت على خنجره لا الهوى مال، ولا الجفن غفا
وإذا القلب – على غفرانه – كلما غار به النصل عفا
أو يقول:
كلُّ شيء صار مرًّا في فمي بعدما أصبحتُ بالدنيا عليما
آه من يأخذُ عمري كلَّه ويعيدْ الطفلَ والجهلَ القديما!
أو يقول: 
رفْرَفَ القلبُ بجنبي كالذبيحْ وأنا أهتف: يا قلبُ اتّئدْ
فيجيب الدمعُ والماضي الجريحْ لِمَ عُدنا؟ ليت أنّا لم نعد!
أو يقول:
أيها الساهر تغفو تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التأم جـرح جد بالتذكار جرح
فتعلّمْ كيـف تنســى وتعلّمْ كيف تمحو
إنه شاعر الروح.. الطبيب الذي ما عمل يوماً طبيباً للجسد بقدر ما صار طبيباً للأرواح بمفرداته.. إنه.. الشاعر الطبيب.. إبراهيم ناجي.
ولد ناجي في 31 ديسمبر 1898م في حي شبرا في القاهرة، وتوفي عام 1953م، عندما كان في الخامسة والخمسين من العمر. كان طبيبا وكان والده مثقفاً، مما ساعده على النجاح في عالم الشعر والأدب.
عاش في بلدته -أول حياته- المنصورة وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره -شأن شعراء مدرسة أبولو-الاتجاه العاطفي. أصيب بمرض السكر في بداية شبابه فتألم كثيرا لذلك وتوفي عام 1953.
نهل من الثقافة العربية القديمة فدرس العروض والقوافي وقرأ دواوين المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم من فحول الشعر العربي، كما نهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي.
ما أبدع هذا الشاعر حين يشدو:
ما أضيع الصبر في جُرحٍ أداريهِ 
أريد أَنْسَى الذي لا شيء يُنسيهِ
وما مجانبتي من عاش في بصري 
فأينما التفتتْ عيني تلاقيهِ!
وكأنما يقطر شعراً وحباً وعذوبة:
انظري ضحكي ورقصي فرحا وأنا أحمل قلباً ذبحا
ويراني الناس روحا طائراً والجوى يطحنني طحن الرحى
يا حبيبي كل شيءٍ بقضاء ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا… ذات يومٍ، بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله… وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته… لا تقل شيئا وقل لي الحظ شاء.
وهذا غيضٌ من فيض ناجي الذي لا تنتهي رومانسية شعره التي علمتنا كيف نحب، وكيف نعبِّر، ولا أبالغ إن قلت وكيف نشعر.

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *