عرار ” مصطفى وهبي التل ، شاعر الأردن ( 1899-1949 )
عّفا الصّفا وانتفى من كوخ ندماني | وأوشك الشّك أن يودي بإيماني |
شرّبت كأسا ولو أنّهم سكروا | بخمرتي وسقاني الصابّ ندماني |
لقلت: يا ساق ! هلاّ والوفاء كما | ترى تنكّر ، هلا جدت بالثاني |
سيمت بلادي ضروب الخسف وانتهكت | حظائري واستباح الذئب قطعاني |
وراض قومي على الإذعان رائضهم | على احتمال الأذى من كل إنسان |
فاستمرأوا الضيم ، واستخذى سراتهم | فهاكهم ، يا أخي عبدان عبدان |
وإن تكن منصفا فاعذر إذا وقعت | عيناك فينا على مليون سكران |
** | ** |
إليكها عن أبي وصفي مجلجلة | أبا طلال وما قولي ببهتان |
وقلت: هذا هو الباشا وذاك لقد | عليه أنعمت إنعاما بنيشان |
رفعت كلّ وضيع لا يقام له | إلاّ بسوق الخنا وزن بميزان |
وقلت: أولاء قومي ينهضون بكم | وحسبكم أنهم من خير أعواني |
هلاّ رعيت ، رعاك الله حرمتنا | هلا جزيت تفانينا بإحسان ؟! |
مولاي شعبك مكلوم الحشا وبه | من غضّ طرفك والإهمال داءان |
وليس ترياقه يا سيّدي وأخي ، | في ناب صلّ ولا في سنّ ثعبان |
مولاي ! إنّ المطايا لا تسير إلى | غاياتها ، إن علاها غير فرسان |
** | ** |
خداك ، يا بنت ، من دحنون ديرتنا | روحي فداء الخديد الأحمر القاني |
أما هواك ، فلن تنفك جذوته | توري زناد تباريحي وأشجاني |
يا بنت ، وادي الشتا صرت جنادبه | ورجّعت جلهتاه الغرّ ألحاني |
فلا عليك إذا أقريتني لبنا | وقلت : خبزتنا من قمح حوران |
أما السّكاكر فلينعم بمأكلها | ” صبري ” و ” منكو ” و ” وتوفيق بن قطان ” |
وليحيي ” لدجر ” و ” الكوتا ” وطغمتها | في ظلّ دوح من اللذات فينان |
أما أنا والمناكيد الذين هم | قومي وصحبي وندماني وخلاني |
فحسبنا نعمة الذلّ التّي نخرت | عظامنا وأعزت أهل عمان |
** | ** |
” يا صاحبيّ فدت نفسي نفوسكما “ | على المذلة والإذعان روضاني |
لقد تنكّر لي أهلي ، وأنكرني | صحبي وأقرب من أدنيت أقصاني |
فهاكني كيتامى الزّطّ لا أحد | يرثي لحالي ، ولا إنسان يرعاني |
وليس لي ملجأ آوي إليه إذا | تهكم الصلفين الفظّ آذاني |
ولا يراني أهل الخير ، يوم يدي | أمدها لهم ، أهلا لإحسان |
أقول : هذا صديق صادق فإذا | بعد التجارب بي أمنى بخوّان |
فهل عليّ ودأب الناس ثعلبه | ورفع كل وضيع القدر والشان |
إذا عكفت على كأسي وقلت له : | يا أيّها الكأس ! أنتّ الحادب الحاني ؟! |
يا صحابيّ ! أعيراني عيونكما | أمتاح من دمعها لكن بأشطاني |
عسى يخفف كرب الثكل سائلة | تنساب ما بين جثمان وأكفان |
قد أنضبت أدمعي من أعيني نوب | تبكي وتضحك قد حلت بأوطاني |
يا صاحبيّ ! خذا عنّي ، فديتكما ، | سرّ الصبابة والألحان والحان |
وناشدا الشوق هل شامت مرابعه | وجدا كوجدي ، وتحنانا كتحناني |
** | ** |
ليلاي قيسك قد شالت نعامته | إلى فلسطين من ” غور ابن عدوان ” |
هلاّ تجملت ، يا ليلى ، وقلت له : | مع السلامة إنّ الدرب سلطاني |
شدوا الرّحال إلى ابن السّعود ففي | رحابه مجد غسان وعدنان |
** | ** |
ماذا على الناس من سكري وعربدتي | ماذا على الناس من كفري وإيماني |
ماذا على الناس من قولي لهم : أحد | ربي ، وقولي لهم : ربي له ثان |
ماذا على الناس من لهوي ومن عبثي | ماذا على الناس من جهلي وعرفاني |
ماذا على الناس من جهلي ومعرفتي | ماذا على الناس من ربحي وخسراني |
ماذا على الناس من صفوي ومن كدري | ماذا على الناس إن دهري تحداني |
ماذا على الناس من فقري ، ومتربتي | ماذا على الناس من ضنّي وإحساني |
ماذا على الناس من حبي مكحلة | بين الخرابيش أهواها وتهواني |
** | ** |
قالوا : ذوو الشأن في عمان تغضبهم | صراحتي ، ولذا أفتوا بحرماني ! |
قالوا ذوو الشأن في عمان قد برموا | بمسلكي واصطفائي رهط مجان ! |
واستنكروا شرّ الاستنكار هرولتي | إلى الخرابيش مع صحبي وندماني |
ما كان أصدق هذا القول لو عرفت | عمان مذ خلقت إنسان ذا شان ! |
قالوا : ( تمشكح ) في يافا وقد صدقوا | إنّي ( تمشكحت ) رغم العاذل الشاني |
وقد جررت ولم أحفل بلومهم | بين الخرابيش عند الزّطّ أرداني |
يافا عروس فلسطين التي غبرت | ما في يدي خلا شجوي وأشجاني |
يا أهل يافا لقد طوقتم عنقي | شتى العقود فمن بر لإحسان |
إلى الإشادة في ذكري ومعرفتي | وأعرف الناس بي يوصي بنكراني |
ماذا عساه لساني أن يقول لكم | إن أوجب الأمر تقريظي وإحساني |
إلا مقال ابن حجر يوم أنزله | بالأبلق الفرد ياهوديّ قحطاني |
يا أهل يافا لقد بالأمس أرقني | برق تألق في أجواء حسبان |
وحين رفّ لقدّ والله ذكّرني | بأنّني ذات يوم كنت عماني |
فاستيقظت عبرتي من بعد هجعتها | وعادني ذكرهم من بعد نسيان |
** | ** |
ليلاي دنياي أحلام مجنحة | تطير بي في فضاء أحمر قان |
يا ليتها حلقت ليلى بأجنحتي | إذن لقلت لها : طوباك جنحاني |
إذن لزغردت يا ليلى وقلت لها : | مع السلامة إنّ الدرب سلطاني |
قالوا : يحب، أجل ، إنّي أحب متى | كانّ الهوى سبّة يا أهل عمان ؟ |
أما هواك فلا زلت الحفي به | ولا أزال عليه الحادب الحاني |
أما لياليك ، يا ليلى ، فقد سحبت | سود الليالي عليها ذيل نسيان |
طيري غدا والسلوقيّ استجاب إلى | بياع عظمات يا ليلى تحداني |
فهل عليّ وهذا ما منيت به | إن صحت ، يا كأس انت الحادب الحاني |
فادني شفاهك من فيهي أمصمصها | وأدفئيني ، فإنّ البرد آذاني |
أما الشّباب فقد أودت بجدته | ليلاي ليلاي إرهاقات سجّاني |
ليلاي! إنّ الخلابيس العتاة عتوا | على فراشي واستصلوا بنيراني |
فربتي ، بأبي أنت ، على كتفي | إني على نفسه إنّي أنا الجاني |
ما زال وادي الشّتا دفلاه مزدهر | مالي ومالكمو يا جيرة البان |
أما هواك فقد شالت نعامته | وقد حططت بوادي السّير ركباني |
مالي وزمزم ماء غير سائغة | فأسقني جرعة من ماء حسبان |
ودع هواهم فما بالرقمتين هوى | وليس حبّ ذوي حزوى بإمكاني |
جيران وادي الشّتا كانوا وما برحوا | برغم أنفك … جيراني |
أمّا أنا فالهوى العذريّ يكلؤني | وأعين الخفرات البيض ترعاني |
** | ** |
” لولا الهوى لم أرق دمعا على طلل “ | ولا حننت إلى أطلال عمان |
الحمد لله ليست مصر لي وطنا | وأحمد الله أني لست عماني |
لا أنت منّي ولا أهلوك خلاني | ولا نداماك يا عمان ندماني |
عمّان ! عمّان إنّ الكوخ قد عصفت | به الرياح فلست اليوم عماني |
** | ** |
يا ميّ ! وادي الشّتا صرت جناديه | فطرّ شارب ذاك المجرم الجاني |
ذاك الذي كان قلبي ، يوم كنت به | برا وكان عليّ الحادب الحاني |
أيام كان الهوى العذريّ يكلؤني | وأعين الخفرات البيض ترعاني |
يا ميّ ! دحنون وادي الحور حمرته | قد شابها ببياض طلّ نيسان |
ناشدتك الله والأردنّ هل قبسا | خداك لونهما من لونه القاني |
يا ميّ شبنا وما تبنا فهل نزلت | بما انتهينا إليه آيّ قرآن |
يا ميّ ! يا ميّ ! قد حال الصبا هرما | إلى قذالي سبيلا هينا داني |
والنّفس تزخر بالآمال ساخرة | مما تبيته يا ميّ ! أحزاني |
** | ** |
يا حادي الركب ! قف واصمت على | مضض فالركب تحدوه سعلاة تحداني |
قفا بعمواس يا ابنيّ وانتظرا | لو ساعة فهوى وصفي تحداني |
وسائلا كلّ ركب مرّ عن ولدي | وسائلا الركب عن ( دحنون ) أوطاني |
ويسألونك عنّي ، إنّني رجل | طرد الهوى ، مذ براني الله ، ديداني |
** | ** |
أين الندامى ؟ مضوا كلّ لطيته | وخلفوني بهذا الكوخ وحداني |
فلا كؤوس ، ولا ساق ، ولا وتر | يشنف اليوم ، واويلاه آذاني |
يا وحشة الكوخ ، أضفي فوق وحشتنا | دمعا نهلّه من سقف وجدان |
فإنّ عبرتنا أودت بها نوب | كانت وما برحت تجتاح أوطاني |
والصحب أضرب حتى عن إعارتنا | دمعا .تموح بقاياه بأشطاني |
” لو كنت من مازن لم يستبح إبلي “ | ( عرص ) من الشام أو ( عكروت ) لبناني |
قالوا : تعاقرها ؟ قولوا لهم علنا | إني أعاقرها في كل دكان |
قال الأطباء : لا تشرب . فقلت لهم : | الشّرب لا الطب عافاني وأبراني |
عليّ بالكأس فالدّنيا مهازلها | طغت على الناس لكن شرّ طغيان |
** | ** |
قالوا : تدمشق ، قولوا : ما يزال على | علاته إربدي اللون حوراني |
** | ** |
إليك عنّي ألقابا وأوسمة | قد أرهقت بضروب الخزيّ عنواني |
رأسي لربي ، وربي لن أطأطئه | ولن أذلك يا نفسي لدّيان |
شمس العدالة لم تشرق على نفر | مؤلف من مخاريق وخرسان |
فليتق الله بي شعب محبته | كانت وما برحت ، ديني وديداني |
وليتق الله بي شعب وفيت له | حق الوفاء وبالنكران كافاني |
على مذابح قولي : سوف أسعده | ضحيت عمري فلم يسعد وأشقاني |
** | ** |
الناس أحلاس من دامت سعادته | وكلّهم خصم من يمنى بخسران |
غبر الوجودة إذا لم يظلموا ظلموا | فلا تثق منهم يوما بإنسان |
خذني ( معاك ) فإنّ الناس قد برموا | بما يسمونه ظلمي وطغياني |
خذني ( معاك ) ودعني في مضاربكم | أمتاح من بئركم لكن بأشطاني |
خذني ( معاك ) فإنّي في مضاربكم | والله ، أنعم في سهوي ونسياني |
ولا أبالي أأنتم معشر نزل | أم أنكم أهل ترحال وتظعان |
ألم أقل لك : إنّ الناس أخلصهم | بوركت إنّ هاجمونا جدّ خوان |
وأنّ وادي الشتا حوّ جآذره | وأنّ زمزم والأردنّ صنوان |
** | ** |
يا أربعا ما وراء الحصن عامرة | بما تعانيه من ظلم وطغيان |
قضى أساطين حزبي يا أخي ومضوا | فاشحذ مداك فإني اليوم وحداني |
أودى الغريب ولم تجزع لمصرعه | لعلّ جثمان ذاك الميت جثماني |
أين الأمين ؟ لقد شالت نعامته | وأصبح اليوم يا لله !! ألماني |
لا زرت قبرك تحدوني …….. | ولا رثيتك إبراهيم طوقان |
نحن الألى قد وفينا في مودتنا | يوم الرفاق تنادوا يا لقحطان |
وعلقوهم على الأعواد ما علموا | أنّ العزائم لا تثنى بعيدان |
** | ** |
قالوا : لشعرك عشاق بودهم | أن يجمعوا بعضه في شبه ديوان |
فقلت : شعري أشلاء مبعثرة | كأنها عمري في كل ميدان |
ويوم يأزف ميعاد النشور وما | يقضي به البعث من سر وإعلان |
لسوف يسمع حتى الصمّ من غرري | آيات تلفظّها أفواه خرسان |
** | ** |
يا أردنيات إن أوديت مغتربا | فانسجنها بأبي أنتنّ أكفاني |
وقلن للصّحب : واروا بعض أعظمه | في تلّ إربد أو في سفح شيحان |
قالوا : قضى ومضى وهبي لطيته | تغمدت روحه رحمات رحمان |
عسى وعلّ به يوما مكحلة | تمرّ تتلو عليه حزب قرآن |