مختارات من شعر نازك الملائكة
“أنشودة الرياح”
بين أمواتٍ… وإن لم يَدْفَنوا
جُثَثٌ ترَسفُ في أسْرِ القُيودِ
وتماثيلُ احتوتْها الأعْـيُنُ
آدميونَ ولكنْ كالقُرودِ
وضباعٌ شَرْسةٌ لا تُؤمنُ
أبداً أُسْمعُهم عذْبَ نشيدي
وهُمُ نومٌ عميقٌ محْزنُ.
____________
“مأساة الحياة”
هكذا شـاءت المـقــاديرُ للــعـالمِ:
إثـم وشــقــوةٌ وحــُـروبُ
وهيَ النفسُ تحملُ الشرّ والبغضَ
فماذا يُفــيدُها التـهــذيـبُ؟!
* * *
كم تغنَّى بالسلم والحبِّ والرَحْمةِ
من شاعــرٍ ومن فيلســوف!
أسفـاً ضــاعتِ الأغاني ولم تَـبْقَ
سوى ضَـجَّةِ القـتالِ العنيفِ.
______________
“عيون الأموات”
مِخْـلبُ الخـوفِ والتشـاؤم قد
جرَّحَ أيَّامنا وأدْمَى صِبانا
ليت نَهْرَ النسيانِ لم يكُ وهماً
صوّرتْهُ أحلامُنا لأسـانـا!
* * *
ليتَهُ كانَ ليــتَ أخــبارَهُ حــقٌّ
لننسَى ما كان أو ما يكونُ
ويعيشُ الأحرارُ من قيدِ بلوانا
ويعفو عنا الغدُ المجـنونُ!
______________
“أسطورة نهر النسيان”
كلُّ عُمْرٍ قصيدةٌ كتبتْها
في كتابِ الحياةِ كفُّ الزمانِ
وغداً يـمّحي الكتابُ جميعاً
وتذوبُ الحروفُ في الأكفانِ.
_____________
“في وادي العبيد”
أيُّها الشّاطئُ، يا مَنْبَعَ أحلامي، وداعا!
سئمَ المِجدافُ في كفَّيَّ دَفْعاً وصِراعا
كيف ألقاكَ وقد مَزَّقتِ الريحُ الشِّراعا
ورجائي فيكَ بين الـمَوْج يا شاطئُ ضاعا؟!
ما أعمقَ الحُزنَ الذي نحملُ!
ترفعُنا الأحلامُ فوق السُّهَا
وتهدمُ الأيَّـامُ ما نــأمــلُ.
_____________
“المقبرة الغريقة”
سكَنَ الليلُ
أصغِ إلى وَقْـع صَدَى الأنَّاتْ
في عُمْق الظلمةِ, تحتَ الصمتِ, على الأمواتْ
صَرخَاتٌ تعلو, تضطربُ
حزنٌ يتدفقُ, يلتهبُ
يتعثَّر فيه صَدى الآهاتْ
في كلِّ فؤادٍ غليانُ
في الكوخِ الساكنِ أحزانُ
في كل مكانٍ روحٌ تصرخُ في الظُلُماتْ
في كلِّ مكانٍ يبكي صوتْ
هذا ما قد مَزَّقَـهُ الموت
الموتُ… الموتُ… الموتْ
يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ!
أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ
أنا صمتُهُ المتمرِّدُ
قنّعتُ كنهي بالسكونْ
ولففتُ قلبي بالظنونْ
وبقيتُ ساهمةً هنا
أرنو وتسألني القرونْ
أنا من أكون؟
والريحُ تسأل من أنا
أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ
نبقى نموءُّ ولا بقاءْ
فإذا بلغنا المـُنحَنى
خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ
فإذا فضاءْ!
والدهرُ يسألُ من أنا
أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عصورْ
وأعودُ أمنحُها النشورْ
أنا أخلقُ الماضيْ البعيدْ
من فتنةِ الأمل الرغيدْ
وأعودُ أدفنُهُ أنا
لأصوغَ لي أمساً جديدْ
غَدُهُ جليد.
___________
“أنا”
إغضبْ، أحبّكَ غاضباً متمرّداً
في ثورةٍ مشبوبةٍ وتمزّقِ
أبغضتُ نومَ النار فيكَ فكن لظىً
كن عرْقَ شوقٍ صارخٍ متحرّقِ
* * *
إغضبْ، تكاد تموت روحُك، لا تكن
صمتاً أضيِّعُ عندَهُ إعصاري
حسبي رَمادُ الناس، كن أنت اللظى
كن حُرْقة الإبداع في أشعاري
* * *
إغضبْ، كفاك وداعة أنا لا أحبّ الوادعين
النّار شرعي لا الجمود ولا مهادَنة السنين
إني ضَجرت من الوَقارِ ووجههِ الجهْم
الرصينْ وصرخت: لا كان الرّماد، وعاش عاش لَظَى الحنين
إغضب على الصمت المُهينْ
أنا لا أحبّ الساكنينْ.
* * *
إني أحبك نابضاً، متحركاً،
كالطفل، كالريح العنيفةِ، كالقَدرْ
عطشانَ للمجد العظيم فلا شذىً
يُروي رؤاك الظامئاتِ ولا زَهرْ.