“الطفيلي” والسينما في زمن العولمة

 ثقافات – عامر هشام الصفّار*

 

لم يسبق لي أن شاهدت فيلما من نتاجات السينما الكورية الجنوبية، ولكن عندما سمعت عن المخرج بونك جون هو وفيلمه الجديد المعنون ب “الطفيلي” عقدت العزم على مشاهدة الفيلم. وقد أتاحت سينما المدينة في ويلز والمختصة بعرض الأفلام الفائزة في مهرجان “كان” السينمائي الفرنسي العالمي فرصة مشاهدة فيلم “الطفيلي” قبل أيام فلم أترك هذه الفرصة تضيع مني حيث كان المخرج الكوري الجنوبي نفسه معنا في صالة العرض وهو يجيب عن أسئلة المشاهدين بعد أنتهاء عرض الفيلم الذي أستمر على مدى الساعتين.

و”الطفيلي” فيلم يتحدث عن العولمة وما تركته من آثار سلبية على المجتمعات الحديثة ومنها المجتمع الكوري الجنوبي نفسه الذي تمثلّه في الفيلم عائلتان.. أحداهما فقيرة مدقعة وهي تتألف من الزوجة والزوج والأبنة الشابة والأبن الصبي.. والكل يتمتع بالقابلية على التطفل بشكل غير معقول أحيانا.. بينما تسمح عائلة أخرى غنية حد التخمة بالتطفل عليها حد السذاجة. وحالة التطفل نفسها أنما تبدأ منذ لحظات الفيلم الأولى عندما تشعر العائلة الفقيرة أنّ النت مقطوع عليها فتتطفل على النت عند الجيران، لتفتح صفحات الواتساب مثلا بما يعطي الأنطباع للمشاهد من أن الفيلم يعالج مشاكل أجتماعية معاصرة.

وتتطور حالة التطفل في الفيلم لتكون الأبنة راعية الطفل الصغير في العائلة الغنية، كما يكون الأبن الفقير مدرسا خاصا للصبية في العائلة الغنية، وهي صبية تعاني حرمانا عاطفيا فلا تجد من يهتم بهذا الجانب الاّ الصبي الفقير الذي جاء اليها مدرّسا فيصبح عاشقا في غفلة من زمن ومن عائلة..!. وهي تلك العائلة الغنية التي تطفلت عليها الخادمة (الأمينة) لسنوات عديدة فجعلت زوجها يسكن في سرداب مموّه في بيت العائلة الغنية دون علم العائلة بذلك. ولعل المشاهد سيتوقع أن مثل حالات التطفل تلك أنما ستؤدي الى أحداث فيها الجريمة وفيها المقالب والمثالب.. فتحصل المفاجأة في الفيلم حيث سيؤدي التطفل الى تراجيديات وخسارات لم تكن في الحسبان.

وقد استدرك المخرج جون حين قال بعد انتهاء عرض الفيلم إنه نفسه كان يعمل في فترة من فترات حياته مدرساً خاصا لعائلة غنية، وقد أستوحى فكرة الفيلم من تجربته الشخصية وسيرته الذاتية. حيث كتب الفيلم أولاً على نسق مسرحي ولكنه كان دائم التفكير بموقع الكاميرات والتأثيرالموسيقي واللقطات وزواياها وكيف سيكون المشهد مؤثراً سينمائيا ليزيد من وقعه على المشاهد فكأنّه نفسه يقول أنّ التطفل كان لكاميرا السينما على خشبة المسرح.. ولكنه تطفل محمودّ..

و”الطفيلي”  الفيلم عندي من الأفلام المتميزة فكرة وأخراجا سينمائيا وبصورة ومشاهد وأضاءة وقبل كل شيء بسيناريو فيه الحبكة الذكية وبتصوير سينمائي له الكثير من أيجابياته وتأثيره ووقعه على المشاهدين، أضافة الى دور الموسيقى المصاحبة للقطات الفيلم الدرامية لزيادة الوقع النفسي على المشاهد وبالتالي تحقيق فكرة الفيلم وأيصال رسالته المهمة.

الطفيلي أذن هو المستعمر الذي يحتل بيتك ويهجرّك منه ويدفع بك الى المجهول.. والطفيلي هو المرض   الذي يغزو جسم المجتمع ليأكله من الداخل فيشيع فيه الخراب.. ولكن ما العلاج لهذا الطفيلي الظالم الذي ما فتأ يتطفل دون أن يردعه رادع ؟؟.. حسب الفيلم هنا أنه يثير في خاطرك الأسئلة الصعبة ويجعلك في بحث مستمر عن الجواب الصحيح.

ولابد من أن أشير هنا الى أن فيلم “الطفيلي” قد حاز منذ أنتاجه في بداية 2019 على ما يزيد عن 170 جائزة عالمية وهو مرشح قوي للفوز بأوسكار أفضل فيلم لهذا العام.

  • أديب وناشط ثقافي عراقي يعيش في بريطانيا

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *