هشام البستاني: كما نختلق اللحظة نختلق الكتابة


حوار: نضال بشارة

تمّ مؤخراً الإعلان عن جائزة جامعة آركنسو الأميركية للأدب العربي وترجمته للعام 2014، وهي جائزة تقدَّم بالشراكة بين كلية جيه ويليام فولبرايت للفنون والعلوم في جامعة آركنسو، ودار نشر جامعة سيراكيوز. الكتابان الفائزان هما: “كل الوجوه سوى وجهي: مختارات من شعر سميح القاسم” بترجمة لعبد الواحد لؤلؤة؛ و”أرى المعنى” لهشام البستاني بترجمة ثريا الريّس. هنا وقفة مع القاص الأردني هشام البستاني حول الجائزة ودورها في دعم حضور الأدب العربي باللغة الإنكليزية، وحول مشاريعه القادمة في هذا المجال ومسائل أخرى. يُذكر أن للقاص البستاني مجموعات عدة منها عن «الحب والموت و «الفوضىى الرتيبة للوجود» عن (دار الفارابي) بيروت، «أرى المعنى..» عن (دار الآداب) في بيروت (2012)، وآخر ما صدر له «مقدمات لا بد منها لفناء مؤجل» (دار العين) بالقاهرة 2014.


ما الذي تخدمه هذه الجائزة للأدب العربي الذي تغيب مؤسسات حكومية عن المساهمة في نشره بلغات قومية أخرى؟

ـ جائزة جامعة آركنسو للأدب العربي وترجمته هي واحدة من جائزتين فقط تُقدَّمان للأدب العربي المُترجم إلى الانكليزية، وهي الوحيدة التي تُقدَّم للنص العربي وترجمته معاً، أي أنها تأخذ بعين الاعتبار جودة الأصل وجودة الترجمة، ويتقاسم المؤلف والمترجم القيمة المالية للجائزة. ثمة قيمتان كبيرتان لها: الأولى أنها تسد بما تستطيع فراغاً كبيراً في ترجمة الأدب العربي إلى الانكليزية والتعريف به عالمياً، ستنشر الترجمتان من خلال دار نشر جامعة سيراكيوز، ضمن سلسلة «الأدب الشرق – أوسطي المترجم»، في الوقت الذي تغيب فيه المشاريع الثقافية الكبرى عن المشهد الثقافي والإبداعي العربي وتسود فيه رذائل الشللية والعصبوية والتبعية للسلطة والانجرار خلف بريق النجومية المرتبط بتسليع الأدب والخضوع للسوق وكتابة «ما يستهلكه الجمهور»، وهو ما يقودنا للقيمة الثانية لهذه الجائزة من حيث أن القائم عليها مؤسسة أكاديمية، ويحكّمها لجنة من المختصيّن،وهي مفتوحة لكل الأجناس الأدبية من قصة وشعر ورواية ومذكرات وسيرة، لا تقتصر على جنس بعينه، ولا تُلقي بالاً لاعتبارات السوق والنجومية والتسليع، ولا لاعتبارات التقسيم الجغرافي والمجاملات و «المراكز» و «الأطراف». جودة النص وما يحمله من إبداع، وجودة الترجمة وقدرتها على نقل الأصل روحاً وأسلوباً ومعنى، هي أساس الجائزة، لذلك أعتبر الحصول عليها شرفاً كبيراً لا يتوفّر في كثير من الجوائز المُبهرجة الأخرى. ومن الطريف ملاحظة أن من يعمل بجد على دعم ترجمة ونشر الأدب العربي إلى قراء الانكليزية هي مبادرات فردية أو مؤسسية صغيرة، وعددها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، منها مجلة «آرابك ليتيرتشر إن إنجلش» الالكترونية التي تقوم عليها مارشا لينكس كويلي، والجائزة مدار السؤال التي تقوم بنشر الكتاب الفائز بترجمته الانكليزية ضمن منشورات جامعة سيراكيوز المعتبرة، ودار بلومزبري ـ مؤسسة قطر التي تهتم بترجمة الأدب الرائج أكثر من اهتمامها بالتعريف بتيارات الأدب العربي المعاصر المختلفة. يعطيك هذا الأمر فكرة عن البؤس العميق الذي يرزح فيه مشهد الثقافة العربية.

تسوّل الجوائز


أعرف أن لديك مشاريع أخرى بخصوص ترجمة قصصك وأدبنا العربي، تصب في المنحى الذي أشرت إليه، لو تسلط الضوء عليها، ولماذا هذه المشاريع / المجلات أو المسابقات غير مسلط الضوء عليها إعلامياً في صحافتنا العربية؟

ـ مشروعي القادم هو التعريف بالأدب العربي الجديد/الطليعي. أعتبر نفسي جزءاً من سياق لا فرداً واحداً صمداً لا قبلي ولا بعدي، لذلك، وبعد أن تم اختياري لأكون رئيس التحرير الضيف (أي لعدد واحد) من مجلة «ذي كومون» الأدبية الأميركية التي تصدر عن جامعة آمهيرست العريقة، قررت أن أخصص هذا العدد بالكامل لهذا النوع من الأدب، من خلال نشر شريحة مُمثلة (وليست شاملة بالطبع) تمتد من الروّاد إلى كتاب الألفيّة الجديدة، من المغرب حتى البحرين، مكرّسين وشبّان، وبهذا أخدم السياق الإبداعي الذي أنا جزء منه ولا وجود أو تطوّر لي من دونه. أما لماذا لا يهتم الإعلام الثقافي العربي بهذه الأمور، فالسبب هو ما ذكرته من أمراض الشللية والشخصنة، والتمحور حول الذات، والرغبة الوضيعة في التحول إلى «سلطة» ثقافية تصنع وتدفن، والتمسّح بأثواب الأنظمة، وفوقها بعض أمراض جنسية تحوّل امرأة مشتهاة إلى أديبة كبيرة، أو أمراض جغرافية تحوّل ابن بلد ما (لأنه من هذا البلد بالتحديد) إلى قيمة إبداعية، وفوق هذا ما يمارسه كثير من الكتاب من التسوّل الأدبي على ركام مآسي ومصائب شعوبهم، أو تسوّل الجوائز.!

وصف البروفسور عدنان حيدر كتابك «أرى المعنى» بأنه «عمل طليعي فريد، بالإمكان النظر إليه بصفته مجموعة من المقطوعات الغنائية المنفردة، أو بصفته انفجاراً واحداً من الرؤى المضيئة التي تشكل مُخطّطاً لقراءة متبصّرة للحظتنا الراهنة من التاريخ». ما تعليقك؟

«أرى المعنى» هو الكتاب الذي تكثف فيه مشروعي الكتابي العابر للأجناس، لا الكتابية فقط ولكن الفنيّة أيضاً، يجد القارئ على غلافه عنواناً فرعياً صغيراً: «سرد/ موسيقى أو قصص على تخوم الشعر»، ويجد داخله اشتباكات مع لوحات تشكيلية، وأفلام سينمائية، وتدمج إحدى القصص فن الغرافيك داخل بنيتها، وهناك بعض محاولات على الاشتغال على حجم الكلمة في النص، وتأثيرها الحركي على الصفحة، واندثارها البطيء من خلال تحوّلها لونياً أفتح فأفتح. وفيه أيضاً أحاول عقد شراكة مع القارئ من حيث هو عنصر أساسي في تلقّي القصة القصيرة: فهو مولّد احتمالاتها وإمكاناتها، وموسّع أركان التخييل فيها.
أعتقد أن البرفسور عدنان حيدر، وهو أستاذ الأدب واللغات العالمية ورئيس قسم اللغة العربية في جامعة آركنسو، أمسك بما يحاول الكتاب أن يقدّمه مُفَكّكاً في صيغة قصص/قطع سردية تدفع إلى التأمل، أو متكاملاً في صيغة صفعة للمآلات البشعة والكارثية المتكثفة في لحظة عالمنا المعاصر.

كتابة تجاوزية

إلى أي مدى أنت معني بأن ما تقدمه يجب أن يكون مبتكراً وليس تقليدياً، وباعتراف الآخرين؟

يقتضي الأدب من الكاتب أن يُقدّم ما هو مبتكر أو جديد في الشكل أو المضمون أو كليهما معاً، وإلا ليس هناك من داعٍ لمقاربة الكتابة الأدبية من الأساس. علينا ألا ننسى أن كل كتابة تولد وتتحقق في لحظة «الآن»، هذه اللحظة الفريدة التي يتكثّف فيها الماضي والمستقبل معاً، وكل «آن» هو آن مغاير، والكتابة كمحصلة لحمولة التاريخ وأعبائه، والمستقبل ومقترحاته، والحاضر وضغوطاته، عليها أن تمتلك القدرة التعبيرية عن هذه اللحظة. وكما اللحظة تختلف، فالكتابة عليها يجب أن تختلف، أي أن تتطوّر وتُطوّر إمكانياتها، وهو ذاته ما نلحظه في البيولوجيا عند الكائنات الحية، فالتي لا تتطوّر تندثر، والكتابة التي لا تتطوّر تتبدّد. لهذا أشدد دائماً على أهمية الكتابة التجاوزية: تلك التي تتأسس على اطلاع واسع وتأسيس قوي على ما سبق إنجازه، وهضم لعناصر الماضي، وإنجاز كتابة الحاضر الذي هو لحظة المستقبل السابقة.

يلاحظ استخدامك لبعض المفردات التي نتداولها ويظنها الناس من المحكية مع أنها فصيحة، ما أسبابك؟
العامية منجم حقيقيّ للغة: إثبات لعمقها التاريخي وقدرتها على التطوّر ومرونتها في استيعاب ما يسبقها الزمن في إنتاجه، لكني لا أكتب بالعامية لسببين أساسيين: أنني أعتقد أن كتابة السرد بالعامية سيفقده تماسكه وجمالياته (وهو ما قد لا ينطبق على الشعر)، وأنني لا أريد إنقاص عدد القراء المحدودين أصلاً، فالفصحى طريقٌ معبّد إلى كل اللهجات. لكنني لا أعادي ولا أعترض على الكتابة بالعامية، ولا أعترض على استخدام العامية كما هي في بعض الحوارات بين الشخصيات داخل النصوص، وأشجع ـ مثلما أفعل أنا ـ أن يتبنى الكتّاب الكلمات العامية ذات الجذور الفصيحة (وأكثرها كذلك) ويعيدون تقديمها بأصلها في النصوص، أو أن يكتبوا بعض الكلمات العامية في صورة فصيحة، أي أن يضيفوا إلى المعجم اللغوي الفصيح كلمات عاميّة مفصحة. أجد أن التفاعل مع اللغة وتحديثها، تقديم اقتراحات فيها سواء من حيث البنية أو الشكل أو المفردة، هي مهمة أساسية من مهمات الأدب.
أنا من القائلين بأن اللغة العربية لغة ذات جماليات عالية وإمكانيات كبيرة، وما تُقصّر فيه المجامع اللغوية ـ المتكلّس بعضها ـ يقدر عليه الأدب المتحرّك من خلال الاستعانة بعدة مصادر منها العامية.
السفير

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *